وأمّا قراءة أهل المدينة التي ذكرها فإنما حكي عن محمّد بن مروان- وهو بعض قراء أهل المدينة- أنّه قرأ: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم بنصب أطهر لكم، وقد روي عن عيسى بن عمر بأسانيد جياد مختلفة أنّه قرأ هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم بالنصب، وذكر الأصمعي أنه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء إنّ عيسى بن عمر حدثنا أنّ ابن مروان قرأ (هنّ أطهر) بالنّصب، فقال: (احتبي ابن مروان في لحنه)، وقد روي عن سعيد بن جبير أنه قرأ (هنّ أطهر لكم)
بالنصب، ومعنى قول أبي عمرو: (احتبي في لحنه، كقولك: اشتمل بالخطأ، وتجلّل بالخطأ، وتمكّن في الخطأ، ونحو ذلك، مما يوجب تثبيت الخطأ عليه وإحاطته به.
ومعنى قوله: ولا تقول: أظنّ رجلا خيرا منك حتى تنفي أي حتى تقول: ما أظنّ رجلا خيرا منك، كما تقول: ما أظنّ أحدا خيرا منك؛ لأنه إذا نفيت النكرة صارت بمعنى العموم، وحلّت محلّ أحد، وباقي الباب مفهوم.
هذا باب أيقال سيبويه: " اعلم أنّ أيّا مضافا وغير مضاف بمنزلة من. ألا ترى أنّك تقول:
أي أفضل، وأي القوم أفضل. فصار المضاف وغير المضاف يجريان مجرى من، كما أنّ زيدا وزيد مناة يجريان مجرى عمرو، فحال المضاف في الإعراب والحسن والقبح كحال المفرد. قال الله عزّ وجلّ: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (1)؛ فحسن كحسنه مضافا.
وتقول: أيّها تشاء لك؛ فتشاء صلة لأيّها حتى كمل اسما؛ ثم بنيت عليه لك، كأنّك قلت: الّذي تشاء لك، وإن أضمرت الفاء جاز، وجزمت تشأ، ونصبت أيّها، وإن أدخلت الفاء قلت: أيّها تشأ فلك؛ لأنّك إذا جازيت لم يكن الفعل وصلا، ولكن بمنزلته في الاستفهام إذا قلت: أيّها تشاء؟
وكذلك من تجري مجرى أي في الّذي ذكرنا، وتقع موقعه.
وسألت الخليل عن قولهم: اضرب أيّهم أفضل؟ فقال: القياس النّصب، كما تقول: اضرب الذي أفضل؛ لأن أي في غير الاستفهام والجزاء بمنزلة الذي، كما أنّ من في غير الاستفهام والجزاء بمنزلة الذي.
وحدّثنا هارون أن ناسا، وهم الكوفيّون، يقرأونها: لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ