ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني
… فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (1)
يريد: ولقد مررت، ولم يرد أن ذلك كان منه مرة وأنه لا يعود إليه، وإنما أراد أن ذلك سجيته أبدا، وقال جرير:
قالت جعادة ما لجسمك شاحبا
… ولقد يكون على الشباب نضيرا
وسمعناه: ولقد كان، وكونه على الشباب نضيرا، فعل مستدام لا يقصد به إلى فعلة واحدة، بل يكون أبدا على الشباب نضيرا، فهذا حكمه دائما)).
وقوله: أين الذي سار حتى يدخلها. لا يمنع الاستفهام من الرفع، لأن السير وجب، وإنما سأل عن صاحبه، وكذلك لو نفي فقال: ما رأيت الذي سار حتى يدخلها، وما ضربت الذي سار حتى يدخلها، لأن الاعتماد على نفي الرؤية والضرب.
وأما قوله: أسرت حتى تدخلها؟ فالنصب، لأنه لم يوجب سيرا يجب به الدخول.
ولو قال: قل ما سرت فأدخلها، إذا جعل الدخول واجبا فيما مضى، جعل اللفظ فيه ماضيا، فقال: قلما سرت فدخلت، لأن دخلت منقطع عن قلما سرت، فصار بمنزلته منفردا إذا كان ماضيا، ولم يكن ماضيا، ولم يكن قبله (قلما سرت)، فالإخبار عنه بلفظ المضي؛ ونحو من هذا قولهم: جاءني زيد أمس يضحك، ويضحك في موضع الحال،
وإن كان وقوعه في (أمس). ولو خبّرت عن زيد بالضحك لم يجز أن يكون إلا بلفظ الماضي، ولم تقل إلا: ضحك زيد؛ وكذلك جاءني زيد يضحك أبوه، إذا كان متصلا بزيد؛ فإذا لم تجعله متصلا بزيد قلت: ضحك أبو زيد أمس، ولم يكن إلا ماضيا.
وقال أبو الحسن الأخفش: (2) ما سرت حتى أدخلها، معنى الرفع فيه صحيح، إلا أن العرب لم ترفع غير الواجب في باب (حتى)، ألا ترى أنك لو قلت: ما سرت فأدخلها، أي ما كان سير ولا دخول، أو قلت: ما سرت فإذا أنا داخل الآن لا أمنع، كان حسنا.
وغلط أبو الحسن، وذلك أن الدخول في (حتى) إذا رفع إنما يقع بالسير، فإذا نفى السير لم يكن دخول.