على: فأنت تحدّثنا الساعة، والرفع فيه يجوز على (ما). وإنما اختير النصب لأن الوجه هاهنا وحدّ الكلام أن تقول: ما أتيتنا فحدثتنا، فلما صرفوه عن هذا ضعف أن يضموا (تفعل) إلى (فعلت)، فحملوه على الاسم، كما لم يجز أن يضموه إلى الاسم في قولهم: ما أنت منا فتنصرنا ونحوه.
وأما الذين رفعوه فحملوه على موضع (أتيتنا)، لأن (أتيتنا) في موضع فعل مرفوع، و (تحدثنا) هاهنا في موضع (حدّثتنا).
وتقول: ما تأتينا فتكلّم إلا بالجميل، فالمعنى: أنك لم تأتنا إلا تكلمت بجميل، ونصبه على إضمار (أن)، كما كان نصب ما قبله على إضمار (أن)، وتمثيله كتمثيل الأول؛ وإن شئت رفعت على الشّركة كأنه قال: وما تكلّم إلا بالجميل. ومثل النصب قول الفرزدق:
وما قام منّا قائم في ندينّا
… فينطق إلّا بالتي هي أعرف (1)
وتقول: لا تأتينا فتحدّثنا إلا ازددنا فيك رغبة، والنصب هاهنا كالنصب في: ما تأتيني فتحدّثني، إذا أردت معنى: ما تأتيني فتكون محدّثا، وإنما أراد معنى: ما أتيتني فتكون محدثا إلا ازددت فيك رغبة، ومثل ذلك قول اللعين المنقري:
وما حلّ سعدىّ غريببا ببلدة
… فينسب إلا الزّبرقان له أب (2)
وتقول: لا يسعني شئ فيعجز عنك، أي: لا يسعني شئ فيكون عاجزا عنك ولا يسعني شئ إلا لم يعجز عنك. هذا معنى الكلام، وإن حملته على الأول قبح المعنى، لأنك لا تريد أن تقول: إن الأشياء لا تسعني ولا تعجز عنك فهذا لا
ينويه أحد وتقول: ما أنت منا فتحدثنا، ولا يكون الفعل محمولا على (ما)، لأن الذي قبل الفعل ليس من الأفعال فلم يشاكله، قال الفرزدق:
ما أنت من قيس فتنبح دونها
… ولا من تميم في اللها والغلاصم (3)
وإن شئت رفعت على قوله:
فترجّى وتكثر التّأميلا (4)