وقال الشاعر:
كم شامت بي أن هلكت
… وقائل: لله درّه (1)
وقال آخر:
إذا أنت لم تنزع عن الجهل والخنا
… أصبت حليما أو أصابك جاهل (2)
وقد يجوز أن ينزع، ويجوز ألا ينزع، ولا يحيط العلم بأي ذلك يكون.
وقولهم: إن مات زيد كان كذا، أحسن من قولك: إن احمر البسر، لأن الموت وإن كان معلوما أنه كائن فلا يعرف وقته، واحمرار البسر معروف الوقت.
وأما قوله:
إذا لم تزل في كلّ دار
... (3)
فإن أبا عمر الجرمي كان يفسره: إذا لم تزل المرأة في كل دار عرفتها لها يسكب واكف من دمع عينيك؛ وخبر (لم تزل المرأة): في كل دار؛ وجواب (إذا): يسكب المضمرة قبل (واكف)، وتفسيره (يسكب) الذي في آخر البيت؛ ومثله في الكلام لو تكلم به: إذا لم يزل زيد قائما عمرو يقم، على معنى: يقم عمرو يقم. وقرب (واكف) من المعرفة لأنه موصول منعوت بقوله: من دمع عينيك.
وقال الأخفش: إذا لم تزل عينك في هذه الدار واكف سجمت، وجعل (لها واكف) خبر (لم تزل) و (تسجم) جواب (إذا) وذكرت: يسكب، ويسجم، لأن البيت يروى على الوجهين.
وقوله: وينجزم الجواب بما قبله، ويجوز أن يكون بجملة ما قبله، وهو (إن) والشرط، ويحتمل أن يكون ب (إن) وحدها؛ والاختيار عندي أن يكون ب (إن) وحدها، وقد مضى ذكر اختياري رفع خبر الابتداء بالابتداء.
وأما قول الخليل: (إن) هي أم حروف الجزاء، فلأنها تدخل على الجزاء. في جميع وجوهه، وليست كذا سائر ما
يجازى به، لأن (من) يجازى بها فيما يعقل، و (ما) فيما لا يعقل، و (أي) فيما يبعض، و (متى) للزمان، و (أين) و (حيثما) للمكان، (وأنى) نحو من ذلك، و (إذ ما) يتكلم بها القليل منهم، وما كل العرب تعرفها.