ومما يدل على أن (إن) أم حروف الجزاء، أنها قد يسكت عليها ويحذف الشرط بعدها والجواب، ولا يفعل ذلك بغيرها، يقول القائل: لا آتى الأمير لأنه جائر، فيقال: ائته وإن: وكذلك: لا أصلي خلف فلان لأنه أعمى، فيقال: صل خلفه وإن؛ يراد بذلك: وإن كان جائرا، وإن كان أعمى فصل خلفه، وأنشد بعض النحويين في ذلك:
قالت سليمى ليت لي بعلا يمن
… يغسل عن جلدي وينسينّي الحزن
وحاجة ليس لها عندي ثمن
… مستورة قضاؤها منه ومن
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن
… كان عييّا معدما قالت وإن (1)
والذي أحوج إلى إدخال (الفاء) في جواب الجزاء، أن أصل الجواب أن يكون مستقبلا، لأنه شئ مضمون فله إذا فعل الشرط، أو وجد مجزوما ملتبسا بما قبله من الشرط، ف (إن) هي التي تربط أحدهما بالآخر، ثم عرض في الكلام أن يجازى بالابتداء والخبر لنيابتهما عن الجواب، و (إن) لا تعمل فيهما، ولا يقعان موقع فعل مجزوم؛ فآتوا بحرف يقع بعده الابتداء والخبر، وجعلوه مع ما بعده في موضع الجواب، وذلك قولك: إن تزرني فعندي سعة، وإن تأتني فالمنزل لك؛ واختاروا (الفاء) دون (الواو) ودون (ثم) لأن حق الجواب أن يكون عقيب الشرط متصلا؛ لأنه بالشرط يستوجب، ومن أجل وقوعه يقع، و (الفاء) توجب ذلك لأنها في العطف بعد الذي قبله، متصل به؛ وتركوا (الواو) لأنها لا تدل على الترتيب؛ وعدلوا عن (ثم) لأن بينها وبين ما قبلها أكثر من مهلة (الفاء).
وقد حذفت العرب (الفاء) في الجواب في ضرورة الشاعر، وسهل ذلك أن أصل الجواب لا يكون فيه (فاء) على ما ذكرناه، وتقديره: من يفعل الحسنات فالله، ويروى:
فالرحمن، والذي قبله: من يفعل الخير فالرحمن يشكرها؛ وليس في هذه الرواية ضرورة ((وينكع العنز ظالما)) تقديره: فهو ظالم؛ ويكثر في المجازاة حذف المبتدإ بعد (الفاء) لأنه يجري ذكره في الشرط كقولك: إن تأتني فمحبوب؛ لأن المخاطب قد جرى ذكره في الشرط كقولك: إن تأتني فمحبوب، وإن يزرني زيد فمكرم، تقديره:
فأنت محبوب، لأن المخاطب قد جرى ذكره في (تأتني)، وإن يزرني زيد فهو مكرم، لأنه قد جرى ذكره.
وأما قوله: إن تأتني لأفعلن، ففيه وجهان: