اختار في القراءة: فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (1)، فيجوز الجزم فيه عطفا على موضع الفاء، وهو أيضا جيد قوي والأول أقوى منه ومن هذا الوجه قراءة من قرأ: وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ وحمل الكلام على موضع الفاء، لأن موضع الفاء موضع الجواب، والأصل فعل الشرط، الفعل والفاء داخلة عليه، ويجوز أيضا فيه النصب، وهو
ضعيف وقد ذكرناه، وقوله إن تأتني فلن أوذيك، واستقبلك بالجميل استقبلك رفع عطف على موضع لن كأنه قال إن تأتني فاستقبلك بالجميل، ولا يجوز نصبه بالعطف على أوذيك لفساد المعنى، لأنه يصير في التقدير، فلن أوذيك، ولن أستقبلك بالجميل، وهو تقضي لن أوذيك، ويجوز فيه الجزم على موضع الفاء، كما جاز (ويذرهم).
وقوله: إن أتيتني لم آتك وأحسن إليك إن أردت ولم أحسن إليك فالجزم في أحسن لا غير، وإن جعلت أحسن جواب الشرط لم تنف الإحسان، فإن أجود ذلك أن تجعله ماضيا فتقول: لم آتك وأحسنت إليك، لأن موضع (لم) موضع فعل ماض، فتعطفه عليه كأنه قال: إن أتيتني قعدت عنك وأحسنت إليك، وإن كان مستقبلا، فإن سيبويه قال: الرفع الوجه، وإنما اختار الرفع لأنا إن جزمناه على موضع لم لم يحسن أن يكون الشرط فعلا ماضيا والجواب مجزوما، لأنه لا يحسن أن تقول:
إن أتيتني أحسن إليك، وإذا قال:
إن أتيتني أحسن إليك كان حسنا فقوله:
أحسن إليك إن سببه كان رفعا على أن تقدر في موضع (لم) فعلا مستقبلا لك على تقدير أحسن إليك إن أتيتني، وقوله: لم آتك وأحسن إليك يجوز، وأحسن إليك إن شئت كان رفعا على أن تقدر في موضع (لم) فعلا مستقبلا مرفوعا، وأحسن عطف عليه، وإن شئت كان قطعا واستئنافا، وقد ذكرنا أن أحسن الكلام في الشرط والجواب أن يتشاكلا في المعنى أو في الجزم.
قال أبو سعيد: ومنزلة (لم) والفعل المجزوم بعدها منزلة فعل ماض، وحكمه كحكمه فإذا قلت: إن أتيتني فالجواب المختار لم آتك، لأنه بمنزلة: إن أتيتني فعدت عنك، وهما فعلان ماضيان، وإن قال: إن تأتني فالجواب لا آتك لأن لا آتك للمستقبل، ولا يحسن أن يقول:
إن تأتني لم آتك، كما لا يحسن أن تقول: إن تأتني فلم آتك، ولا إن أتيتني فلم آتك، كما