لا يحسن إن تأتني قعدت عنك لأن الأول مجزوم والثاني ماض، ولا يجوز أن تقول: إن تأتني فلم آتك، ولا إن أتيتني فلم آتك، لأن (لم) تصير الفعل بمعنى المضيّ، والفاء تمنع أن يكون الجواب بفعل ماض، سواء كان الشرط ماضيا أو مستقبلا، ألا ترى أنك تقول: إن تأتني فقعدت عنك، ويجوز أن يكون بعد الفاء من الفعل ما كان دعاء، كقولك: إن أحسنت إليّ فجزاك الله خيرا، وإن أسأت فلعنك الله، لأن معنى الدعاء في غير الشرط والجواب
الاستقبال، فإن كان لفظه ماضيا، لا يحسن إن تأتني لن آتيك بإسقاط الفاء لأن (لن) وما بعدها جملة كما لا يحسن إن يأتني زيد يشكرك حتى تدخل الفاء، وإنما جاز إسقاط الفاء لأنها لا تمنع عمل ما قبلها فيما بعدها وباقي الباب من كلامه مفهوم.
هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل إذا كان جوابا لأمر أو نهي أو استفهام أو تمنّ أو عرضفأما ما انجزم بالأمر فقولك: إيتني آتك، وما انجزم بالاستفهام فقوله ألا تأتيني أحدّثك، وأين تكون أزرك، وأما ما انجزم بالتمني، فقولك: ألا ماء أشربه، وليته عندنا يحدّثنا، وأما ما انجزم بالعرض فقولك: ألا تنزل تصب خيرا، وإنما انجزم هذا الجواب، كما انجزم جواب إن تأتني بإن تأتني، لأنهم جعلوه معلقا بالأول غير مستغن عنه الأول إذا أرادوا الجزاء، كما أن (إن تأتني) غير مستغنية عن آتك.
زعم الخليل أن هذه الأوائل كلها فيها معنى إن، فلذلك انجزم الجواب، لأنه إذا قال: ائتني آتك، فإن معنى كلامه إن يكن منك إتيان آتك، وإذا قال: أين بيتك أزرك، فكأنه قال: إن أعلم مكان بيتك أزرك، لأن قوله: أين بيتك؟
يريد: أعلمني، وإذا قال: ليته عندنا يحدّثنا، فإن معنى هذا الكلام إن يكن عندنا يحدّثنا، وهو يريدها هنا إذا تمنى ما أراد في الأمر، وإذا قال: لو نزلت، فكأنه قال:
انزل.
ومما جاء من هذا الباب في القرآن وغيره، منه قول الله- عز وجل-: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ (1). فلما انقضت الآية قال: يَغْفِرْ لَكُمْ الصف: 12