قال أبو سعيد: وعلى هذين الوجهين قولهم زعم أنه إذا أتاك أنه سيفعل وقد علمت أنه إذا فعل أنه سيمضي. وظاهر كلام سيبويه أنه جعل " أنكم " الثانية بدلا من " أنكم " الأولى في قوله تعالى: أَيَعِدُكُمْ
... " لأنه قال: " ومما جاء مبدلا " ثم قال: كأنه على:
" أَيَعِدُكُمْ
.... ... أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ".
وفي هذا الكلام عندي خلل لأنه لا يجوز البدل من الاسم حتى يتم الاسم. وقوله:
" إذا متم " ليس باسم تام لأنه لم يأتي " لأنه " بخبر. وتمام الاسم " بأن واسمها وخبرها " والذي عندي: أنه لا بدل في هذه الآية وإنما البدل في قوله عز وجل: " إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ " وقد مر الكلام فيه.
وقول سيبويه: " ولا يستقيم أن تبتدئ " " أن " هاهنا كما تبتدئ الأسماء والأفعال إذا قلت: " قد علمت زيدا أبوه خير منك " وقد رأيت زيدا يقول: " أبوه ذاك ". لأن " أن " لا تبتدأ في كل موضع وهذا من تلك المواضع " يعني ": أنك إذا قلت " زعم أنه إذا أتاك سيفعل وقد علمت أنه سيمضي ". لم يجز كسر " إن " الثانية. لا يجوز " أنه سيفعل وإنه
سيمضي ". لأن كسرها هو الابتداء. وإنما لم يجز ذلك لأن " إذا أتاك " و (إذا فعل) ظرف لما بعده فإذا كسرنا " إن " بطل أن تكون ظرفا " لأن " ولا ظرفا لما بعد " أن " كما يكون ظرفا " لأن ".
فتقول في " أن " المفتوحة " في الحق أنك كريم " و (يوم الجمعة أنك راحل) وأنما جاز في " أن " المفتوحة لأن محلها محل الاسم والظرف يتقدم على الاسم الذي هو ظرفه كقولك (خلفك زيد ويوم الجمعة رحيلك) و " إن " المكسورة وما بعدها ليس في تقدير اسم فيكون له ظرف يتقدمه. ولا ما بعدها يعمل فيما قبلها.
وقوله عز وجل: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (1) و " أن ". فمن كسر: فلان الجواب بالفاء. وإنما يكون بكلام مستأنف قائم بنفسه. فالباب فيه الكسر. والذي يفتح فله ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يجعل " إن " مكسورة معادة من الكلام الذي قبلها للتوكيد وتقديره: فله نار جهنم و " أن " مكررة.