فيكون تقديره: (أهلكنا أنهم إليهم لا يرجعون) وهذا لا معنى له. ولكن " كم " وما بعدها إذا جعلت اسما غير استفهام فتقديرها: (الم يروا الذين أهلكناهم من القرون). ومعنى:
" يروا " يعلموا. لأن رؤية العين منهم لم تقع على القرون التي خلت من قبلهم.
فإذا قدرناه هذا التقدير وأبدلناه صار معناه: " ألم يعلموا أن القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون ". وفي " أن " وجه آخر وهو: أن تجعلها في صلة: " أهلكناهم " بمعنى:
أهلكناهم بأنهم لا يرجعون " أي ": أهلكناهم لهذا الضرب من الهلاك.
وقوله عز وجل: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (1) فيه وجهان:
أحدهما: أن تجعل " أنكم " المفعول الثاني من " يعدكم " والمفعول الأول " الكاف والميم ". واسم " أن " الكاف والميم بعدها. وخبرها. " مخرجون " " فإذا متم " ظرف " لمخرجون ". و (أنكم) الثانية معادة وهي الأولى ليقرب من
الخبر لما تراخى ما بينها وبين الخبر. وهي مكررة توكيدا للأولى، قوله عز وجل: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (2) هم الثانية إعادة للأولى توكيدا وهذا قول أبي عمر الجرمي في هذا ونحوه. ويحتج له في ذلك:
أنها تقع بعد الفاء مفتوحة في قوله عز وجل: أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (3) إنما هو " فله نار جهنم
... " ثم كررها توكيدا ولولا أنها مكررة لكسرت لأنها في موضع الابتداء بعد " الفاء " للتراخي كما قال عز وجل: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ (4) فهذه كررت للتراخي، ومثل هذا في القرآن كثير.
والوجه الثاني: أن تجعل " أنكم " المفعول الثاني ل " يعدكم " و " أنكم مخرجون " في موضع اسم مبتدأ وخبره " إذا متم " وهو ظرف له. وتقديره: أيعدكم أنكم إذا متم أخراجكم. والمبتدأ والخبر خبر " أنكم " والعائد إلى " الكاف والميم " التي هي اسم " أنكم " الأولى " الكاف والميم " التي هي اسم " أنكم " الثاني. وهذا قول أبي العباس المبرد.