الجزم، إذا قلت: " لم يذهبا " فعلمنا أن النون ليست بحرف إعراب.
قال سيبويه: " ولم يكونوا ليحذفوا الألف: لأنها علامة الإضمار والتثنية، فيمن قال: " أكلوني البراغيث "، وبمنزلة التاء في: " قلت " و " قالت ".
يعني أن الألف التي تلحق الفعل في التثنية، إمّا أن تكون علامة للإضمار، كقولك:
" الزّيدان لم يذهبا " أو علامة التثنية، كقولك: " لم يذهبا الرّجلان "، ولا تحذفها في الجزم، فيبطل الضمير أو العلامة.
ولم يرد بقوله: " علامة الإضمار والتثنية " في حال واحدة، إنما أراد: لأنها علامة الإضمار، إذا تقدم المضمرون، أو التثنية، في لغة من قال: " أكلوني البراغيث "؛ لأن هؤلاء عند سيبويه جعلوا الواو في: " أكلوني " علامة تؤذن بالجماعة، وليست ضميرا.
وفي: " أكلوني البراغيث " ثلاثة أوجه؛ أحدهما: ما قال.
والثاني: أن تكون " البراغيث " مبتدأ، و " أكلوني " خبرا مقدّما، تقديره " البراغيث أكلوني ".
والوجه الثالث: أن تكون الواو في " أكلوني " ضميرا على شرط التفسير، " والبراغيث " بدل منه، كقولك: " ضربوني وضربت قومك "، فتضمر قبل الذكر على شرط التفسير.
وقد كان الوجه في: " أكلوني البراغيث " على تقديم علامة الجماعة، أن يقال:
" أكلتني البراغيث "؛ لأن " البراغيث " مما لا يعقل وما لا يعقل جمعه وضمير جمعه كالمؤنث، وإن كان مذكرا؛ تقول: " ثيابك مزّقن " و " جمالك يمشين ". قال الشاعر:
فإن تكن الأيّام فرّقن بيننا
… فقد بان محمودا أخي يوم ودّعا (1)
ولا يحسن أن يقول: فإن تكن الأيام فرّقوا بيننا؛ لأن الجمع بالواو لما يعقل، وهم الثّقلان والملائكة، وربما ذكر لما لا يعقل فعل يكون الأغلب فيه أن يكون لما يعقل، فيجعل لفظه كلفظ ما يعقل تشبيها، فمن ذلك قوله عز وجل: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (2)، فجمع الشمس والقمر والكواكب