بالياء والنون؛ وذلك لأنه وصفها بالسجود، الذي يكون مما يعقل، ولو أجراها على معناها وحقها من اللفظ لقال: " ساجدات " وقال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ (1) ولم يقل: " ادخلن مساكنكن "؛ لأنه أخبر عنهنّ بالخطاب الذي يكون لما يعقل. ولهذا نظائر كثيرة في القرآن وغيره. قال الشاعر:
شربت بها والدّيك يدعو صباحه
… إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا (2)
ويروى: " شربت بهم ". وقال: " دنوا فتصوّبوا "، وكان حقّه أن يقول: " دنونن فتصوّبن "؛ لأنها مما لا يعقل، إلا أنه أجراها مجرى ما يعقل، إذ كان دورها على تقدير لا يختلف، كقصد العاقل الشيء الذي يعمله، فجعلوا " البراغيث " مشبّهة بما يعقل، حين وصفت بالأكل، وصارت الألف إذا كانت إضمارا، بمنزلة التاء في: " قلت "، وإذا كانت علامة بمنزلة التاء في: " قالت "؛ لأن التاء في: " قلت " ضمير المتكلم، وفي: " قالت " علامة للتأنيث.
قال سيبويه: " فأثبتوها في الرفع وحذفوها في الجزم ".
يعني النون، " كما حذفوا الحركة في الواحد ".
وقال: " ووافق النصب الجزم في الحذف ".
يعني: في حذف النون في الاثنين. وقد ذكرنا في كم شيء يوافقه، وأنبأنا عن العلة في ذلك.
وقال: " كما وافق النصب الجرّ في الأسماء؛ لأن الجزم نظير الجرّ في الأسماء، وليس لها في الجزم نصيب، كما ليس للفعل في الجرّ نصيب؛ وذلك قولك: " هما يفعلان " و " لم يفعلا " و " لن يفعلا " و " لن تفعلا ".
وقد مر تفسير هذا كله، وبيان علته.
قال: وكذلك إذا ألحقت الأفعال علامة للجمع لحقتها زائدتان، إلا أن الأولى واو مضموم ما قبلها، لئلا يكون الجمع كالتثنية ونونهها مفتوحة بمنزلتها في الأسماء كما فعلت في ذلك في التثنية؛ لأنهما وقعتا في التثنية والجمع هاهنا، كما أنهما في الأسماء كذلك،