لا يحسن فيها هذا التقدير؛ من ذلك أنا نقول: اللهمّ أمّنا بخير، ولا نقول: يا الله أمّنا بخير، ونقول في الدعاء على غيرنا: اللهم عذّب الكفّار ودمّر عليهم، ولا يحسن في مبدأ مثل هذا الدعاء: يا الله أمنّا بخير عذّب الكفّار.
واحتج الفراء في إبطال من يقول: إن الميم عوض من " يا " بأن قال: قد يجيء في الشعر " يا " مع " اللهمّ " كقول الشاعر:
وما عليك أن تقولي كلّما
… سبّحت أو صلّيت يا اللهمّا
اردد علينا شيخنا مسلّما (1)
وهذا عند البصريين في ضرورة الشعر جائز أن يعوّضوا من حروف، ثم يردونه مع بقاء العوض، فمن ذلك قولهم: يا رجل، ويا غلامان، فتكون " يا " عوضا من الألف واللام، ويتعرّف المنادى بيا، كما يتعرف بالألف واللام، ثم يضطر الشاعر فيجمع بينهما، فمن ذلك قوله:
فيا الغلامان اللذان فرّا
… إيّاكما أن تكسباني شرّا (2)
وقوله:
من أجلك يا التي تيمت قلبي
… وأنت بخيلة بالودّ عنّي (3)
ومن ذلك أنهم جعلوا الميم في فم بدلا من الواو، ثم يضطر الشاعر فيردّ الواو مع بقاء الميم. قال الفرزدق:
هما نفثا في فيّ من فمويهما
… على النّابح العاوي أشدّ رجام (4)
هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالةقال سيبويه: " فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب ".