خلاف ما يوجبه الظاهر فهو كذب، علم أو لم يعلم، كقول القائل: " لقيت زيدا اليوم " و " اشتريت ثوبا " إذا لم يكن الأمر على ما قال، فهو مستقيم كذب.
ثم قال: " وأما المستقيم القبيح، فأن تضع اللفظ غير موضعه، نحو قولك: " قد زيدا رأيت " و " كي زيد يأتيك ".
وإنما قبح هذا، لأنّ من حكم " قد " أن يليها الفعل، ولا يفارقها؛ لأنها جعلت مع الفعل بمنزلة الألف واللام مع الاسم، وكذلك " سوف " مع الفعل، فقبح أن يفصل بين " قد " وبين الفعل بالاسم؛ لما ذكرنا من شبه الألف واللام. و " كي " قد جعلت بمعنى " أن " أو بمعنى اللام، إذا قلت: " جئتك كي يأتيك زيد "، فهو بمعنى: ليأتيك زيد، ولأن يأتيك زيد، فحكم الفعل أن يليها دون الاسم؛ إذ كانت بمحل أن، فإيلاؤهم إياها الاسم وضع الكلام في غير موضعه.
فإن قال قائل: كيف جاز أن يسميه مستقيما قبيحا؟ وهل هذا إلا بمنزله قوله:
حسن قبيح؟؛ لأنّ المستقيم هو الحسن.
فإن الجواب في ذلك أن الكلام ينقسم قسمين: كلام ملحون، وكلام غير ملحون؛ فالملحون هو الذي لحن به عن القصد، وكذلك معنى اللّحن، إنما هو العدول عن قصد الكلام إلى غيره، وما لم يكن ملحونا فهو على القصد، وعلى النحو، ومن ذلك سمي النحو نحوا، والمستقيم من طريق النحو هو ما كان على القصد سالما من اللّحن، فإذا قال: " قد زيدا رأيت " فهو سالم من اللّحن، فكان مستقيما من هذه الجهة، وهو مع ذلك موضوع في غير موضعه فكان قبيحا من هذه الجهة.
ثم قال: " وأما المحال الكذب فهو أن يقول ": " سوف أشرب ماء البحر أمس ".
فهو محال كذب؛ فأما استحالته؛ فلاجتماع " سوف " و " أمس " فيه، وهما يتناقضان ويتعاقبان. وأما الكذب فيه، فإنا لو أزلنا عنه " أمس "، الذي يوجب المناقضة والإحالة لبقي كذبا. وكان الأخفش ينكر أن يقال في المحال صدق أو كذب. فأما إنكاره الصّدق فبيّن، وأما إنكاره أن يكون كذبا؛ فلأنّ الكذب نقيض الصّدق، والمحال لا يجوز أن يكون صدقا بحال، فإن استحال أن يقال فيه صدق بوجه من الوجوه، استحال أن يقال كذب.
قال أبو سعيد: والقول عندي ما قاله سيبويه، وذلك أنّ قائلا لو قال: " زيد جمع