بين القيام والقعود في حال "، كان قد خبّر باجتماع هذين المعنيين، وقد علمنا أن الاجتماع الذي خبر به على غير ما خبّر، والكذب إنما هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به، وإن كان ذلك الشيء مما لا يجوز فيه الصّدق البتّة، ألا ترى أنك تقول للمشرك الذي يدّعي أن لله شريكا في ملكه وسلطانه، جل الله وعز: إنه كاذب، وإن كان هذا لا يجوز أن يكون البتة، وكذلك الذي يقول: " إن لله ولدا " كاذب. قال الله عز وجل:
لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (1).
وقد ذكر سيبويه المحال في موضعين؛ فقال في أحدهما: " وأما المحال فأن تنقض أول كلامك، فتقول: " أتيتك غدا " و " سآتيك أمس ". وقال في الموضع الآخر: " وأما المحال الكذب فأن تقول: " سوف أشرب ماء البحر أمس " فقال في الموضع الأول: " فأما المحال " ولم يقل: المحال الكذب. وقال في الثاني: " المحال الكذب " غير أنه مثل الأول بشيء هو محال كذب أيضا، وإنما أبهم الأول؛ لأن المحال قد يكون كذبا وغير كذب، غير أن الذي يجمع ذلك كلّه تناقض اللفظ فيه.
فأما المحال الذي ليس بكذب، فاللفظ الذي يستحيل في الأمر، وفي الاستفهام، وفي: موضع لا يقع فيه الكذب؛
كقولك لمن تأمره: " قم أمس "، ولمن تستفهمه: " أستقوم أمس؟ " و " هل قمت غدا "؟ والمحال الكذب قد مرّ، فحصل من ذلك أن المحال على ضربين:
كذب وغير كذب. والكذب على ضربين: محال وغير محال.
وقال أبو الحسن الأخفش: ومنه الخطأ، وهو ما لا تعمّد فيه؛ نحو قولك: " ضربني زيد " وأنت تريد: " ضربت زيدا "، وهذا من جهة اللفظ مستقيم، فيقال فيه على قياس ما مضى: مستقيم خطأ، كما قيل: مستقيم كذب، ومستقيم قبيح.
هذا باب ما يحتمل الشّعرقال سيبويه: " اعلم أنه يجوز في الشّعر ما لا يجوز في الكلام، من صرف ما لا ينصرف يشبّهونه بما ينصرف من الأسماء؛ لأنها أسماء كما أنها أسماء ".
قال أبو سعيد: اعلم أن سيبويه ذكر في هذا الباب جملة من ضرورة الشعر؛ ليري بها الفرق بين الشّعر والكلام، ولم يتقصّه؛ لأنه لم يكن غرضه في ذكر ضرورة الشاعر