كما كسروا أول مستقبل فعل حين قالوا: تعلم، لأن الكسر مع الفتح أخف من اجتماع ضمتين، ولم تكن بهم حاجة إلى تحمل ثقل الضمتين؛ لأن المعنى لا يتغير فتكون إبانة المعنى داعية لهم إلى تحمل الثقل، فهذا معنى قوله: " ولم يخافوا التباسا، فعمدوا إلى الأخفّ ".
قال سيبويه: " ولم يريدوا تفريقا بين معنيين، كما أردت ذلك في فعل "
يريد بذلك أن في فعل حين قالوا: تفعل في مستقبله فرقوا بهذه الكسرة بين ما كان ماضيه على فعل وما كان ماضيه على فعل، فقالوا: تعلم، ولم يقولوا تذهب، وجعله سيبويه معنيين وإن لم يكن من المعاني التي تغير مقاصد القائلين فيما غيّروا، وإنما هو حكمة في إتباع اللفظ اللفظ.
هذا باب ما يسكن استخفافا وهو في الأصل عندهم متحرك" وذلك قولهم في فخذ: فخذ، وفي كبد: كبد، وفي عضد: عضد، وفي كرم الرجل: كرم الرجل، وفي علم: علم، وهي لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بني تميم، وقالوا في مثل: لم يحرم من فصد له "
يعني فصد البعير للضيف (وفصده للضيف) أنه عند عوز الطعام يفصدون البعير ليشرب الضيف من دمه فيمسك جوعه.
" وقال أبو النجم:
لو عصر منها المسك والبان انعصر (1)
يريد عصر، وهذه اللغة كثيرة في تغلب وأبو النجم من بكر بن غالب وهو أخو بكر بن وائل، وقال القطامي:
ألم يخز التفرّق جند كسرى
… ونفخوا في مدائنهم فطاروا (2)
" وإنما حملهم على هذا إنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى