يريد أنه جاء من الحروف على حرفين وهو أكثر مما جاء على حرف واحتمل مجيئه على حرفين لأنه قد جاء منه على حرف ولا تصرف له فيحتاج إلى تكثير الحروف.
فمن ذلك أم وأو وقد بين معناهما في بابهما وهل وهي للاستفهام، ولم وهي نفي لقوله فعل ولن وهي لقوله سيفعل، وإن وهي للجزاء فتكون لغوا في قولك: ما أن يفعل.
وما أن طببنا جبن (1)
قال أبو سعيد: قوله " وتكون أن لغوا في قوله ما أن يفعل " فإن الفراء يقول إنهما جميعا للنفي، وزاد على ذلك بأنه يقال: إن ما، فتكون الثلاثة للجحد، وأنشد:
إلا أواري لا إن ما أبينها
والذي قاله عندي فاسد، لأن الجحد إذا دخل على جحد صار إيجابا، فإذا قلنا: ما أن قام زيد، وجعلناهما جميعا للجحد صار الكلام إيجابا، والذي قاله أصحابنا هو صحيح، لأنهم جعلوا أحدهما لغوا واعتمدوا بالجحد على الآخر. وأما البيت الذي أنشده فرواية الناس " لأيا ما أبينها ".
" وأما إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما في قولك: إنما الثقيلة تجعلها من حروف الابتداء ".
يعني أن ما إن زيد قائم في لغة بني تميم تكون إن فيها لغوا وتأكيدا على ما ذكرناه، لأنهم لا يعملون ما، وأما في
لغة أهل الحجاز فإن تكون كافة لما من العمل حتى يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا، كما تدخل " ما " على " إن " فيليها الابتداء، كقولك: إنما زيد قائم.
قال: " وأما ما فهي نفي لقوله هو يفعل إذا كان في حال الفعل، وتكون بمنزلة ليس في المعنى، تقول عبد الله منطلق، فتقول: ما عبد الله منطلق أو منطلقا، فتنفي بهذا اللفظ كما تقول: ليس عبد الله منطلقا، وتكون توكيدا لغوا، وذلك قولك: متى ما تأتني آتك، وتقول: غضبت من غير ما جرم، وقال الله تعالى: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (2)، فهي لغو في أنها لم تحدث إذا جاءت شيئا لم تكن قبل أن تجيء من العمل، وهي توكيد للكلام ".