على التذكير، فلما كان في المعنى أمرا لها بتذكيره استعمل فيه لفظ الأمر، إذ كان المعنى عليه.
وهذا يشبه قولهم: " أنت الّذي قمت " وذلك أنه لما كان الاسم المبدوء به للخطاب، والثاني للغائب، ومعناه معنى الأول، لم تحفل به، وردّ الضمير إلى الأوّل، فقام ردّ الضمير إلى الأول مقام ردّه إلى الثاني، إذ كان هو هو في المعنى. وكذلك قوله:
" وكوني بالمكارم ذكريني " أراد: وذكريني بالمكارم، أي كوني مذكرة لي بالمكارم.
وأدخل: " كوني " ليتوصل بها إلى ما بعدها، إذ كانت الفائدة فيه. ومن ذلك قوله:
مهما لي اللّيلة مهما ليه
… أودى بنعليّ وسر باليه
إنكّ قد يكفيك بغي الفتى
… ودرأه أن تركض العاليه (1)
ومهما لا تكون إلا في الشرط والجزاء كقولك: " مهما تفعل أفعل " وهذا الشاعر لم يرد ذلك، وإنما أراد: " مالي الّليلة "، مستفهما، ثم زاد " ما " الأخرى، كما تزاد صلة في مواضع، وكره اجتماع اللفظين، فقلب من الألف الأولى هاء، ولو لم يقلب لم ينكسر البيت ولم يفسد، ولكنه استقبح تكرير اللفظين، ففعل فيه ما يفعله في غير الضرورة، لتشاركهما في القبح عنده.
ومن ذلك أن كاف التشبيه لا يتّصل بها مكنيّ في الكلام؛ لا تقول: " أناكك " ولا " أنت كي "؛ وذلك أن معنى الكاف ومثل سواء، فإذا كنّي عن المشبّه استعملوا " مثلا " فقط، فإذا اضطر الشاعر جاز أن يأتي بعد الكاف بمكنى، إذ كان معناها معنى " المثل ".
وقد يجوز اتصال المكني بمثل. قال العجاج:
وأمّ أوعال كها أو أقربا (2)
وقال امرؤ القيس:
فلا ترى بعلا ولا حلائلا
… كه ولا كهنّ إلا حاظلا (3)