الجزم الاسم لأبطل الحركة، وإذا أبطل الحركة زال بدخوله التنوين الذي هو لاحق بالاسم.
فإن قال: فهلا حذفوا بدخول الجزم التنوين دون الحركة، لأنه أول ما يصادف فحذف، إن صادف حركة حذفها، وإن صادف حرفا ساكنا حذفه؟ قيل له: يمنع من هذا شيئان:
أحدهما: أن التنوين لو حذفه الجزم لالتبس ما ينصرف بما لا ينصرف.
والوجه الثاني: أن التنوين شيء يصحب الحركات كلها، والعوامل إنما تغير الحركات التي يختلف بها الكلم، والدليل على ذلك أنك تقول: " رأيت زيدا " و " مررت بزيد " " وهذا زيد "، فالتنوين موجود في الأحوال كلها.
واختلفت الحركات باختلاف العوامل، فلو جاز دخول الجزم على الاسم لكان لا بد من تأثير في الاسم بإزالة الحركة التي تختلف باختلاف العوامل، ولا يؤثر فيما لا يختلف باختلاف العوامل، وهو التنوين.
فإن قال قائل في العلة الأولى: فهلا أذهب الجزم التنوين في المنصرف وحذف الحركة مما لا ينصرف؟ قيل له: لأنه لو فعل ذلك لكان الاسم الذي لا ينصرف في حال دخول الجزم عليه مشبها للمبنى.
فإن قال قائل: فقد رأينا الفعل المجزوم يشبه في الصورة الفعل المبني على السكون وهو فعل الأمر- فإذا جاز ذلك، فلم لا يجوز أن يدخل الجزم في الأسماء المعربة، فيستوي لفظها ولفظ الأسماء المبنية، كما استوى لفظ الأفعال المجزومة، والمبنية على السكون؟
قيل له: بينهما فرق ظاهر واضح، وذلك أن الموضع الذي ينجزم فيه الفعل لا يقع فيه الفعل المبني، والفعل المبني لا يقع في الموضع الذي ينجزم فيه الفعل فإذا كان كل واحد منهما لا يقع في موضع صاحبه لم يضر تشابه لفظيهما، والأسماء المبنية تقع مواقع الأسماء المعربة، فمتى تشابه لفظاهما اختلطا والتبسا.
فإن قال قائل: فهلا حذفتم الحركة وحدها، بدخول الجزم، وبقيتم التنوين، ثم حركتم الحرف المجزوم، لالتقاء الساكنين؟
قيل له: هذا يفسد من وجهين:
أحدهما: أن التنوين فرع، وإنما أتى به لقوة المتحرك ومزيته على غيره، فإذا دخل