ما يحذف الحركة ويزيلها، كان أولى بحذف التنوين. والوجه الثاني: أنا لو حذفنا الحركة ثم حركنا، لالتقاء الساكنين لعاد لفظه إلى لفظ غير المجزوم فلم يصح الجزم فيه؛ لأنه لا يسلم سكونه، لما يوجبه التنوين من الحركة إذا سكنا، ولم نكن لندخل عاملا على اسم فيحدث فيه ما لا يسلم له أبدا.
فإن قال قائل: أليس المجزوم قد يتحرك لالتقاء الساكنين إذا قلت: " لم يقم الرجل "؟
قيل له: بلى، وليست هذه الحركة بموجودة في كل حال، وإنما هي عارضة توجد فيه إذا وليه ما فيه الألف واللام، أو ساكن غير ذلك، ولو فصلت بينهما سلم الجزم، ولم يضطر إلى تحريكه.
والتنوين لازم للاسم في أوليته، فلو دخل الجازم وحذف الحركة لم يسلم السكون؛ لما يوجبه التنوين من الحركة فلم يصح دخوله؛ لأنه لا يصح تأثيره في أولية الأسماء.
واحتج بعض أصحابنا، وحكى عن " المازني " أنه قال: لم يدخل الأسماء الجزم؛ لأنه لا يكون إلا بعوامل، يمتنع دخولها على الأسماء من جهة المعنى، نحو: " لم " و " لما " و " إن " للمجاز وما جرى مجراهن فاعرف ذلك إن شاء الله.
قال سيبويه: " والنصب في المضارع من الأفعال " لن يفعل "، والرفع " سيفعل "، والجزم " لم يفعل " وليس في الأفعال المضارعة جر، كما أنه ليس في الأسماء جزم لأن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب للتنوين، وليس ذلك في هذه الأفعال ".
قال أبو سعيد: قد اشتمل هذا الفصل على أشياء محتاجة إلى تفسير وتعليل، فنبدأ منها بشرح إعراب الأفعال المضارعة، وبالله التوفيق.
اعلم أن الأفعال كلها حكمها التسكين ووقف الأواخر، من قبل أن العلة التي من أجلها وجب إعراب الأسماء غير موجودة فيها؛ لأن العلة في إعراب الأسماء هي الفصل بين فاعليها ومفعوليها الذين يجوز أن يكونوا فاعلين ولغير ذلك من الفصول لا توجد في الأفعال إلا أن الأفعال، تنقسم ثلاثة أقسام:
منها: الفعل المضارع الذي قصدنا إلى إبانة علة إعرابه وقد شابه الأسماء من جهات:
منها أنك إذ قلت: " زيد يقوم " فهذا يصلح لأحد زمانين مبهما فيهما، كما أنك إذا قلت: " رأيت رجلا " فهو لواحد من هذا الجنس مبهما فيهم غير متحصل على معين، ثم