ألا ترى أن حروف المد واللين وإن تباعدت مخارجهن يجتمعن في أحكام وينقلب بعضهن إلى بعض؛ لأن ما بينهن في المد واللين أقوى مما يكون بين المتقاربات في المخرج، ولقائل أن يقول إن منع سيبويه إدغام الجيم في
الياء والميم في الواو ولئلا يدخل الميم فيما لا يكون فيه لين.
وقد أدغم النون في الياء والواو وليس في النون لين؛ فإن الجواب في ذلك أن النون لما فيه من الغنة وأن له مخرجا من الخيشوم أجري مجرى حروفه المد واللين في الإعراب في يذهبان ويذهبون، وتذهبين والتنوين الشائع للإعراب وبدل الألف منهما في زيدا واضربا فقربت بذلك من حروف اللين وحملت عليها وليس كذلك غيرها.
قال: وإذا كانت الواو قبلهن ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام لأنهما حينئذ أشبه بالألف وهذا مما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح؛ لأنهما يكونان كالألف في المد والطول وذلك نحو: ظلموا مالكا واظلمي جابرا.
قال أبو سعيد- رحمه الله-: ذكر سيبويه أولا أنه لا يجوز إدغام الياء المفتوح ما قبلها في الجيم والواو المفتوح ما قبلها في الميم ثم قال: وإذا كان ما قبل الواو (1) أبعد لإدغامهما في الميم والجيم ومثلهما يظلموا مالكا واظلمي جابرا.
وقوله: وهذا مما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح يعني أن الواو والياء المفتوح ما قبلهما مد؛ فلا يدغمان في الميم والجيم كما تدغم الواو المضموم ما قبلها والباء المكسور ما قبلها في الميم والجيم لاشتراكهن في المد.
وقوله: لأنهما يكونان كالألف في المد والطول راجع إلى الواو والمضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها.
قال: ومن الحروف حروف لا تدغم في المقاربة والمقاربة فيها وتلك الحروف الميم والراء والفاء والشين.
واعلم أن هذه الحروف لكل واحد منهن ضرب من الفضل على غيره كرهوا ذهاب ذلك الفضل بإدغامه في غيره ويذكر في موضعه إن شاء الله، وذلك نحو قولك اكرم به لا يدغمون الميم في الباء؛ لأنهم يقلبون النون ميما إذا كانت ساكنة وبعدها ياء في نحو قولهم: العنبر، ومن بدأك فلما وقع من الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون ولم يغيروه وجعلوه بمنزلة النون إذا كانا حرفي غنة؛ لأن الميم لها غنة، وليس الباء التي من