مخرجها غنة (1) وأيضا فإن النون الساكنة بعيدة من الباء في المخرج ومباينة لها في الخواص التي توجب الشركة بينهما.
فإذا كانت النون ساكنة قبل الواو وقلبوها ميما فلما قلبت ميما لما بين الميم والنون من الاشتراك في الغنة، ولم تدغم الميم المنقلبة من النون في الباء كانت الميم الأصلية أولى أن لا تدغم فيها الباء.
وهذا معنى قول سيبويه؛ فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون يعني الميم؛ لأنهم فروا إليه من النون في عنبر لم يغيروه يعني لم يغيروا الميم وجعلوه كالنون التي لا تدغم في الباء إذ كانت النون والميم حرفي غنة.
وقوله: الفاء لا تدغم في الباء؛ لأنها من باطن الشفة يريد أن حروف الفم أقوى من حروف الشفتين وحروف الحلق؛ لأن معظم الحروف في الفم واللسان، وهو وسط مواضع النطق والحلق والشفتان طرفان فصارت الفاء لذلك أقوى من الباء؛ لأنها من باطن الشفتين وهي من الفم والباء من الطرف.
قال: والباء تدغم في الفاء المتقارب ولأنها قد ضارعت التاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام لحروف الفم، وذلك قولك: اذهب في ذلك ت بدل من الباء فاء كما فعلت في قولك: أصحاب مطرا والتقارب (2) إنك تعمل في الفاء الشفة السفلى (3) وأطراف الثنايا وتعمل في الباء الشفة السفلى والعلاي ويقوي ذلك أن في حروف الفرس حرفا بين الفاء والباء والباء الأغلب وحرفا بين الفاء والباء والفاء الأغلب.
قال: والراء لا تدغم في اللام ولا في النون؛ لأن الراء مكررة فهي أفشى، كما أن معها غيرها؛ فكرهوا أن يجحفوا بها فيدغم فيها ما ليس فيه تفش في الفم مثلها، ولا تكرير.
ويقوي هذا أن الطاء وهي مطبقة إذا أدغمت في التاء أشربت الإطباق ولا تجعل خالصة؛ لأن الطاء أفشى منها بالإطباق فهذه أجدر أن لا تدغم إذا كانت مكررة، وذلك قولك: اختر له واختر نفلا.
قال أبو سعيد- رحمه الله-: قد عرفتك أن الحرف إذا كانت له مزية يخرجه إدغامه فيما ليست له تلك الفضيلة عنها فيذهب ماله من الفضيلة كثرة إدغامه فيما يذهب