أراد: متقلدا أرباق صاحب ثلّة وبهام كانت عنده، فقدم النّعت على المنعوت، ولم يكن النعت باسم فيقع الفعل عليه، وهو " متقلّد " ويجعل المنعوت بدلا منه.
وقال آخر:
صددت فأطولت الصّدود وقلّما
… وصال على طول الصّدود يدوم (1)
ووجه الكلام؛ وقلّما يدوم وصال على طول الصّدود، وذلك أن الأصل في هذا أن يقال: قلّ وصال يدوم على طول
الصدود؛ لأن " قل " قبل دخول " ما " من حكمها أن لا تليها الأفعال؛ لأنها فعل، ولا يلي الفعل فعل، فأدخلوا عليها " ما " ليوطئوا للفعل أن يليه؛ لأن الفعل لا يمتنع أن يلي " ما "، وكان الحكم أن يولوها ما دخلت " ما " من أجله، وهو الفعل، فلما اضطرّ قدّم الاسم الذي كان يفعل بعد " قلّ " قبل دخول " ما " وإذا قلت:
" قلّ ما يدوم وصال "؛ فإنّ " قلّ " لم تزل عن فعليتها، غير أن الذي يرتفع بها: " ما " وهي اسم مبهم، يجعل في هذا الموضع للزمان، فكأنه قال: قلّ وقت يدوم فيه وصال، ويحذف العائد كما قال الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً (2) يريد، تجزي فيه نفس عن نفس. وقد يجوز في " قلّ ما " أن تجعل " ما " زائدة، ويرتفع " وصال " بقلّ، فكأنك قلت: قلّ وصال يدوم، كما قال عز وجل: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (3).
باب تغيير الإعراب عن وجههقال أبو سعيد: فمن ذلك قول الشاعر:
سأترك منزلي لبني تميم
… وألحق بالحجاز فأستريحا (4)
والوجه في هذا الرفع، وذلك أن قوله: " سأترك " هو مرفوع موجب، وما بعده معطوف عليه داخل في معناه، فحكمه أن يكون جاريا على لفظه، وإنما ينصب ما كان جوابا لشيء مخالف لمعناه كقولك: " ما تجلس عندنا فنحدّثك "، وما أشبه ذلك مما يحكم في موضعه، ولا يقال في الكلام: " أنا أجلس عندكم فأحدّثكم " إنما هو " فأحدّثكم ".
وإذا اضطر الشاعر فنصب فيما ذكرنا أن الوجه فيه الرفع يؤوّل تأويلا يوجب