وقد ذكر سيبويه هذه الأبيات وغيرها مما يشاكلها في باب بعد هذا. ونحن نستقصى الكلام فيها إذا صرنا إليها.
واحتج أبو العباس في تجويز هذا المعنى، وجودته في غير الشعر بقوله تعالى:
فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1) فذكر أنه أجرى " خاضعين " على الهاء والميم التي أضيفت إلى الأعناق، واعتمد على أصحابها فقال: فظلوا لها خاضعين، فكذلك إذا قلت:
شرقت صدر القناة، كأنك لم تذكر الصدر واعتمدت على ما أضيف إليه الصدر.
وهذه الآية فيها تأويلات غير ما تأول أبو العباس، منها: أن الأعناق هم الرؤساء، كما يقال: " هؤلاء رؤوس القوم " و " هؤلاء وجوه القوم " يراد به الرؤساء والمنظور إليهم، وليس القصد إلى الرؤوس المركّبة على الأجساد، ولا
إلى الوجوه المخلوقة في الرؤوس، فكأنه قال: فظلّت رؤساؤهم خاضعين.
ومنها أن أبا زيد حكى وغيره أن العرب تقول: " عنق من النّاس " في معنى جماعة.
قال الهذلي:
تقول العاذلات أكلّ يوم
… لرجلة مالك عنق شحاح
كذلك يقتلون معي ويوما
… أؤوب بهم وهم شعث طلاح (2)
فجعل العنق الجماعة.
وقال الشاعر في تذكير ما ينبغي تأنيثه:
فلا مزنة ودقت ودقها
… ولا أرض أبقل إبقالها (3)
أراد: ولا أرض أبقلت إبقالها، وقد كان يمكنه أن يقول: ولا أرض أبقلت ابقالها، فيخفف الهمزة غير أنه آثر تحقيقها، فاضطره تحقيقها إلى تذكير ما يجب تأنيثه، وتأوّل في الأرض المكان؛ لأن الأرض مكان، فذكّر لذلك. ومن ذلك قوله:
فإمّا ترى لمّتي بدّلت
… فإنّ الحوادث أودى بها (4)