ذهب بالحوادث مذهب الحدثان.
وهذا الباب إذا تقدم الفعل فيه لم يستقبح تذكير المؤنث فيما ليس بحيوان، كقوله تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ (1) وقوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ (2) لأن الفعل إذا تقدم، فهو عار من علامة الاثنين والجماعة، فشبهوا تعرّيه من علامة التأنيث بذلك.
وإذا كان الفاعل مؤنثا حيوانا، وتقدّم الفعل، لم يحسن التذكير إلا في الشّعر، لا يحسن أن تقول: " ذهب هند " ولا " ذهب امرأة ".
قال جرير:
لقد ولد الأخيطل أمّ سوء
… على جار استها صلب وشام (3)
وقال آخر:
إذ هى أحوى من الرّبعىّ خاذله
… والعين بالإثمد الحاريّ مكحول (4)
وكان ينبغي أن يقول: مكحولة؛ لأن العين مؤنثة، فتأول تأويل الظروف.
وقال آخر:
أرى رجلا منهم أسيفا بماله
… يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا (5)
قال سيبويه: " اعلم أنه يجوز في الشّعر ما لا يجوز في الكلام من صرف ما لا ينصرف يشبهونه بما ينصرف من الأسماء، لأنها أسماء كما أنها أسماء، وحذف ما لا يحذف، يشبّهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا ".
قال أبو سعيد: أما قوله: " يجوز في الشعر صرف ما لا ينصرف " فقد ذكرناه.
وقوله: " يشبهونه بما ينصرف من الأسماء " يريد أنهم يشبهون ما لا ينصرف بما ينصرف وتشبيههم له به أنهم يردّونه إلى أصله الذي هو من الصرف بحق الاسمية.
والدليل على أن الاسم الذي لا ينصرف أصله الصرف، أن الشاعر لا يجوز له أن