جاز أن يكون ظرفا وجاز أن يكون مفعولا على السعة، واللفظان واحد، والتقديران مختلفان، فإذا جعلته ظرفا فتقديره " صمت في اليوم "، قدّرت وصول الصوم إلى اليوم بتوسط " في "، فأنت تنويها، وإن لم تلفظ بها، وإذا جعلته مفعولا على السّعة، فأنت غير ناول " في "، ولكنك تقدّر فعل الصوم باليوم، كما تفعل الضرب بزيد، إذا قلت:
" ضربت زيدا "، وهذا على المجاز؛ لأنّ اليوم لا يؤثّر فيه الصوم، كما يؤثر الضّرب في زيد.
وقد جاء مثل ذلك في القرآن، ثمّ في الشّعر، قال الله عز وجل: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (1)، وليس لليل والنهار مكر، وإنما المكر يقع فيهما، فجعل ما يقع فيهما بمنزلة ما يوقعانه، أو يوقع منهما؛ لأن المصادر إنما تضاف إلى الفاعل أو المفعول.
وقال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً (2)، والنهار لا يبصر، وإنما يبصر فيه.
وقال الشاعر:
أمّا النّهار ففي قيد وسلسلة
… واللّيل في جوف منحوت من السّاج (3)
فإذا قلت: " صمت اليوم " وجعلته ظرفا، ثم كنّيت عنه قلت: " صمت فيه "؛ لأنك تردّ الحرف المحذوف، وإنما رددته؛ لأنّ الكناية لا تقوم بنفسها، ولا تقوم مقام " في " كما قام الظاهر وإذا كنّيت عنه فقد جعلته مفعولا على السّعة، فقلت: " صمته " لأنّك لست تنوي حرفا، كما تقول: " ضربته ".
قال الشاعر:
ويوم شهدناه سليما وعامرا
… قليل سوى الطّعن النّهال نوافله (4)
وجعل: " صمت اليوم " مفعولا على السّعة، فإذا جعلت الفعل لما لم يسم فاعله واستعملته مفعولا على السّعة قلت: " صيم اليوم "، ولا يجوز أن تردّه إلى ما لم يسمّ فاعله حتى تنقله عن الظرف إلى المفعول على السّعة، فإذا قلت " صمت عندك " لم يكن فيه إلا وجه واحد؛ لأنه ظرف غير متمكن، ولا يكون مفعولا على السّعة، ولا ينقل إلى ما لم