المواضع التي لا يحسن وقوع الأسماء فيها؟ فإن الجواب في ذلك: أن عوامل الأفعال في كل موضع مخالفة لعوامل
الأسماء في المواضع كلها، فإذا وجب إعراب الأفعال، فليس يجوز أن تعربها بما أعربنا به الاسم، وإذا كان ذلك كذلك، فلا بد من عوامل لها، لا تقع الأسماء بعدها.
ووجه ثان: أن الفعل المضارع قد شابه الاسم بالزوائد التي في أوله، فاستحق بذلك أن يكون معربا، وأين وجد على هذه الصورة وبهذه الصيغة استحق الإعراب، للزوائد في أوله، وليس الزائد هو الذي أعربه، ولكن هو الذي سوغ أن يدخل عليه العوامل فتعربه، ونظير هذا أنا نقول: إن ما لا ينصرف إذا دخل عليه الألف واللام، أو أضيف، حرك بالحركات الثلاث، فليس الألف واللام والإضافة هن اللاتي حركنه، ولكنهن سوغن دخول الحركات الثلاث عليه، وهيأنه لذلك.
فإن قيل: فهلا أعطيتم الفعل جميع ما للاسم، من الرفع والنصب والجر، والتنوين، لمضارعته الاسم، كما أعطيتم الأسماء المبنية، لمضارعة الحروف- السكون الذي للحرف- نحو " من " و " كم " وأشباه ذلك؟ فإن الجواب في ذلك: أن الحروف هي ساكنة فقط، والسكون هو وجه واحد، فإذا ضارعها اسم، أعطى بحق المضارعة شيئا هو في الحروف، وليس فيه إلا السكون، فسكن فقط، والأسماء فيها ثلاث حركات وتنوين، فإذا ضارعها الفعل أعطى بحق المضارعة بعض ما في الاسم، ولم يبلغ من قوته، وهو فرع على الاسم، ومشبه به أن يكون مثله في جميع أحواله، وقد أمكن أن يعطي بعض ما فيه، ليدل على موضع المشابهة.
فإن قال قائل: فبماذا ترفع الأفعال المضارعة؟ قيل له: لوقوعها في موقع الأسماء، سواء كانت الأسماء التي وقعت موقعها، مرفوعة، أو منصوبة، أو مخفوضة، وذلك قولك:
" جاءني رجل يضحك " و " رأيت رجلا يضحك "، و " مررت برجل يضحك ".
فإن قال قائل: فلم كانت الأفعال مرفوعة بوقوعها موقع أشياء مختلفة الإعراب، من مرفوع، ومنصوب، ومخفوض؟ قيل له: من قبل أن العوامل التي للأسماء، لا تعمل في الأفعال، ولا تسلط عليها، فلم يعتبر اختلاف إعراب الأسماء في إعراب الأفعال، إذ كان لا تأثير لذلك في الأفعال، ورفع الفعل، لوقوعه موقع الاسم.
فإن قال قائل: فلم صار الرفع أولى به؛ بوقوعه موقع الاسم؟