أبؤسا بيكون. ولا وجه لهذا الإضمار كله.
ثم ذكر سيبويه: " لدن غدوة " احتجاجا بأنّ الشيء قد يكون على لفظ في موضع فلا يطرد القياس في غيره، وذلك أن العرب تقول: لدن غدوة، فينصبون، ولا يقولون:
لدن عشيّة، ولا لدن زيدا. وكذلك: عسى الغوير أبؤسا، وما حاجتك، ولا يقولون:
عسى زيد أخانا، ولا جاء زيد قائما في معنى: صار زيد قائما. وإنما تنصب العرب غدوة، وإن كان القياس فيها الخفض على ضرب من التأويل والتشبيه، وذلك أنهم يقولون: " لد " فيحذفون النون، و " لدن " فيثبتون النون، فشبّهوا هذه النون بالنون الزائدة في عشرين وضاربين؛ لأنك تقول: هذه عشرو زيد، وضاربو زيد، ثم تقول: هذه عشرون درهما، وضاربون زيدا.
قال سيبويه: " ومن يقول من العرب: ما جاءت حاجتك، كثير، كما تقول: من كانت أمّك ".
يعني أن من العرب من يجعل " حاجتك " اسم " جاءت " ويجعل خبرها " ما "، كما يجعل من خبر " كانت "، ويجعل " أمّك " اسمها، وما في موضع نصب، كأنك قلت: أيّة حاجة كانت حاجتك، وأيّة امرأة كانت أمّك. كما تقول: " قائمة كانت هند "، ولا يجوز تأخير " ما " و " من " وإن كانتا منصوبتين في التقدير؛ لأنهما استفهام، والاستفهام لا يتأخر.
قال سيبويه: " ولم يقولوا: ما جاء حاجتك ".
يعني: لم يسمع هذا المثل إلا بالتأنيث، وليس هو بمنزلة قولك: " من كان أمّك "؛ لأنّ قوله: من كان أمّك ليس بمثل، فلا يغيّر لفظه، ولكن " من " مبتدأ وفي " كان " ضميرها، وهو اسم كان " وأمّك " خبر كان، وذكّر " كان " على لفظ " من ".
قال سيبويه: " فألزموه التاء كما اتفقوا على: لعمر الله، في اليمين ".
يعني أن العرب اتفقوا على النطق بهذا المثل على تأنيث " جاءت "، كما اتّفقوا على قولهم في اليمين: " لعمر الله "، وذلك أنّ العمر والعمر معناهما البقاء. وقولهم: لعمر الله:
لبقاء الله كأنه قال: لبقاء الله حلفي، ولم يقل أحد: لعمر الله، وإن كان معناه معنى " العمر " في غير هذا الموضع.
واختصّ هذا الموضع بإحدى اللّغتين، كما اختصّ " جاءت " بالتأنيث دون التذكير.
قال سيبويه: " ومثل قولهم: ما جاءت حاجتك، إذا صارت تقع على مؤنث: