قراءة بعض القراء: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (1) وتلتقطه بعض السيارة (2).
يريد أن " تكن " مؤنث، واسمها " أن قالوا " وليس في " أن قالوا " تأنيث لفظا، وإنما حمل تأنيثه على معنى " أن قالوا " إذا تأوّلته تأويل مقالة، كأنه قال: ثم لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم. وحمل " تلتقطه " على المعنى في التأنيث؛ لأن لفظ البعض الذي هو فاعل الالتقاط مذكّر، ولكنّ بعض السّيّارة في المعنى سيّارة، ألا ترى أنه يجوز أن تقول: تلتقطه السّيّارة، وأنت تعني البعض، فهذا مثل: ما جاءت حاجتك، حين أنّث فعلها على المعنى.
قال سيبويه: " وربما قالوا في بعض الكلام: ذهبت بعض أصابعه، وإنما أنّث بعضا؛ لأنّه أضافه إلى مؤنّث هو منه، ولو لم يكن منه لم يؤنثه. لو قال ذهبت عبد أمّك لم يحسن ". يعني لم يجز.
قال أبو سعيد: اعلم أن المذكّر الذي يضاف إلى المؤنث على وجهين؛ أحدهما:
تصحّ به العبارة عن معناه بلفظ المؤنّث التي أضفته إليها لو أسقطته هو. والآخر لا تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث التي أضيف إليها.
فأما ما يصح معناه لو أسقط بلفظ المؤنث، فقولك: " أضرّت بي مرّ السّنين " و " آذتني هبوب الرياح " و " ذهبت بعض أصابعي " و " اجتمعت أهل اليمامة "؛ وذلك أنك لو أسقطت المذكّر فقلت: " أضرّت بي السّنون " و " آذتني الرّياح " و " ذهبت أصابعي " و " اجتمعت اليمامة " وأنت تريد ذلك المعنى لجاز.
وأما ما لا تصح به العبارة عن معناه بلفظ المؤنث، فقولك: " ذهب عبد أمّك ".
ولو قلت: " ذهبت عبد أمّك " لم يجز؛ لأنك لو قلت: " ذهبت أمّك " لم يكن معناه معنى قولك: " ذهب عبد أمّك "؛ كما كان معنى: " اجتمعت اليمامة " كمعنى " اجتمع أهل اليمامة ".
وهذا الباب الأول الذي أجزنا فيه تأنيث فعل المذكّر المضاف إلى المؤنث، الذي تصح العبارة عن معناه بلفظها، فإن الاختيار تذكير الفعل، إذ كان لمذكّر في اللفظ؛