فقولك: اجتمع أهل اليمامة و " ذهب بعض أصابعه " أجود من " اجتمعت " و " ذهبت "، والتأنيث على الجواز.
ومثل تأنيث ما ذكرنا قول الأعشى:
وتشرق بالقول الّذي قد أذعته
… كما شرقت صدر القناة من الدّم
ومثل ذلك قول جرير:
إذا بعض السّنين تعرّقتنا
… كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
فأنّث " تعرّقتنا " والفعل للبعض، إذ كان يصح أن يقول: إذا السّنون تعرّقتنا، وهو يريد بعض السّنين.
وقال جرير أيضا:
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت
… سور المدينة والجبال الخشّع (1)
فأنّث " تواضعت " والفعل للسّور؛ لأنه لو قال: تواضعت المدينة لصح في المعنى الذي أراده بذكر السور.
وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى يقول: إن السّور جمع سورة، وهي كل ما علا، وبها سمّي سور المدينة سورا، فزعم أنّ تأنيث " تواضعت "؛ لأن السور مؤنث؛ إذ كان جمعا ليس بينه وبين واحدة إلا طرح الهاء، كنحلة ونحل، وإذا كان الجمع كذلك جاز تأنيثه وتذكيره. وقال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (2) فذكّر. وقال الله تعالى:
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (3) فأنث.
فأما قوله: " والجبال الخشّع " فمن الناس من يرفع الجبال بالابتداء، ويجعل الخشع الخبر، كأنه قال: والجبال خشّع. ولم يرفعها بتواضعت؛ لأنه إذا رفعها بتواضعت ذهب معنى المدح؛ لأن الخشّع هي المتضائلة، فإذا قال: تواضعت الجبال المتضائلة لموته لم يكن ذلك طريق المدح، وإنما حكمه أن تقول: تواضعت الجبال الشّوامخ.
وقال بعضهم: الجبال مرتفعة بتواضعت والخشّع نعت لها، ولم يرد أنها كانت خشّعا