أحد "، نافيا للرجال والنساء والصبيان، كما تقول: " ما بالدار عريب ولا كرّاب "، " وما بالدار طوري ". ولا يجوز أن تقول: " بالدار أحد ". كما لا تقول " بالدار عريب ". وتقول:
" هل بالدار أحد "، فيكون بمنزلة " وما بالدار أحد "؛ لأنه غير واجب.
وقد كان أبو العباس المبرد يجيز وقوع " أحد " في كل موضع يصلح أن يكون فيه الواحد بمعنى الجماعة نفيا كان أو استفهاما، أو إيجابا. كقولهم: " قد جاءني كل أحد "، كما تقول: " قد جاءني كل رجل "؛ لأن " كلا " إذا وقع بعدها واحد منكور، صار في معنى جماعة. وأما قول الأخطل: (1)
حتّى ظهرت فما تخفى على أحد
… إلا على أحد لا يعرف القمرا
ففي قوله: " إلا على أحد ". وجهان.
أحدهما: أنه بمعنى: " واحد " كأنه قال: إلا على إنسان لا يعرف القمر.
والوجه الثاني: أنه على الحكاية لما قبله، ولو كان مبتدأ لم يجز؛ لأن قوله " إلا على " في موضع إيجاب إذا كان استثناء من نفي.
فإن قال قائل: وكيف جاز أن يقع في النفي ما لا يصح وقوعه في الإيجاب؟ قيل له: النفي قد يصح لأشياء متضادة في حال واحدة، ولا يصح إيجابها. ألا ترى أنك تقول:
" زيد ليس بقائم ولا قاعد "، إذا كان مضطجعا، أو ساجدا، أو راكعا، فتنفي قيامه وقعوده معا. ولا يصح أن تقول: " هو قائم قاعد ". وكذلك تقول: " زيد ليس بأبيض ولا أحمر "، إذا كان أسود، ولا يجوز أن تقول: " هو أبيض أحمر "، " وزيد ليس في الدار ولا في المسجد "، إذا كان في السوق أو غيرها. ولا يجوز أن تقول: " هو في الدار والمسجد "، وهذا أكثر من أن يؤتى عليه.
فإذا قلنا: " ما جاءني أحد "، و " ما بالدار أحد "، فقد نفينا أن يكون فيها كل من يعقل، ونفينا أن يكون بها واحد منهم فقط، وأن يكون بها جماعة دون غيرهم، أو صغير أو كبير. ولا يصح إيجاب هذا على طريق نفيه؛ لأنا إذا قلنا: " جاءني أحد "، وسلكنا به مسلك نفي، قد أوجبنا أن يكون قد جاءك كل من يعقل، وأن يكون قد جاءك واحد منهم فقط، وأن يكون قد جاءك جماعة دون جماعة.