وأمكن استئناف الجملة الثانية بعده. وإذا قلت: " ليس زيد ولا أخوه ذاهبين "، لم يجز استئناف الثاني بعد الأول، ولا الأول حيث أتى بعده بجملة تامة يحسن السكوت عليها.
فهذا هو كلام واحد والأول كلامان.
قيل له: لسنا ننكر هذا، ولكنا نلزمكم المناقضة فيما اعتللتم به؛ لأن العلة المانعة من الأول إن كانت هي في بطلان إعادة العامل، فقد وجدناها في المسألة الأخيرة، وقد جازت مع وجود هذه العلة فيها، فلو كانت هذه العلة مانعة للعطف لمنعت في كل كلام.
قال سيبويه: (" فما " يجوز فيها الوجهان كما يجوز في " كان "، إلا أنك إن حملته على الأول، أو ابتدأت، فالمعنى أنك تنفي شيئا غير كائن في حال حديثك، وكان الابتداء في " كان " أوضح؛ لأن المعنى يكون على ما مضى، وعلى ما هو الآن، وليس يمتنع أن يراد به الأول، كما أرادت به الثاني في " كان ").
قوله: (ف " ما " يجوز فيها الوجهان).
يريد: " ما زيد ذاهبا ولا عمرو منطلقا، ومنطلق "، كما يجوز في " كان " إذا قلت:
" ما كان زيد ذاهبا ولا عمرو منطلقا ومنطلق ". غير أن الجملة الثانية فيما رفعت أو نصبت إنما تنفي شيئا في حال حديثك، ألا ترى أنك إذا قلت: " ما زيد ذاهبا "، فإنما تنفي ذهابه في حال حديثك فإذا قلت: " ولا عمرو منطلقا "، فإنما تنفي انطلاقه في حال حديثك، وإذا رفعت أيضا، فأنت تنفيه في حال حديثك، لأنه نفي مستأنف، ويختلف المعنى في " كان "؛ لأنك إذا قلت: " ما كان زيد ذاهبا ولا عمرو منطلقا "، فإنما تنفي انطلاقه فيما مضى، وإذا قلت: " ولا عمرو منطلق "، فإنما تنفي انطلاقه الساعة. وهذا معنى قوله:
(وكان في " كان " أوضح؛ لأن المعنى يكون على ما مضى وعلى ما هو الآن).
يعني: في النصب على ما مضي، وفي الرفع على ما هو الآن.
وقوله: (وليس يمتنع أن يراد به الأول).
يعني " ما زيد ذاهبا، ولا عمرو منطلقا، ليس يمتنع أن تردّ الجملة الثانية على " ما " فتنصب.
قال: (ومثل ذلك: " إن زيدا لظريف وعمرو أو عمرا ". فالمعنى في الحديث واحد، وما تريد به من الإعمال مختلف).