أكلتم أرضنا فجزرتموها
… فهل من قائم أو من حصيد
ومن روى البيت بالنصب أنشد الأبيات منصوبة، ولم يرو هذا البيت المجرور.
قال سيبويه بعد إنشاده البيت: (لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى، ولم يحتج إليه لو كان نصبا، ألا تراهم يقولون: " حسبك هذا وبحسبك هذا " فلم تغير الباء معنى، وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء؛ لأن " بحسبك " في موضع ابتداء).
وهذا بيّن؛ لأن الباء إذا كانت زائدة، فكأنها ليست في الكلام، فجاز حمل الثاني على الأول، وكأن الباء ليست فيه.
قال: (ومثل ذلك قول لبيد:
فإن لم تجد من دون عدنان والدا
… ودون معدّ فلتزعك العواذل) (1)
وكان الوجه أن يقول: " ودون معدّ "، عطفا على " من دون عدنان "، ولكنه نصبه على الموضع، كأنه قال: فإن لم تجد دون عدنان.
فإن قلت: " ما زيد على قومنا ولا عندنا "، كان النصب في " عندنا " لا غير، ولا يجوز " ولا عندنا " حملا على " قومنا "؛ لأن " عند " لا يجوز أن تدخل عليها " على ". لا تقول: " زيد على عندنا "، ولا تستعمل " عند " إلا ظرفا ولا يدخل عليها من حروف الجر إلا " من ".
قال: (وتقول: " أخذتنا بالجود وفوقه "؛ لأنه ليس في كلامهم وبفوقه).
ومعنى هذا الكلام: أخذتنا السماء بالجود من المطر، وبمطر فوق الجود، ولم يجز جر " فوق " عطفا على " الجود "؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الباء على " فوق "؛ لا يقولون:
" أخذتنا بفوق الجود " إنما يقولون: " أخذتنا بمطر فوق الجود "، ولو جررت لجاز، وليس الاختيار. ثم أنشد بيتين في مثل معنى البيت المتقدم وهو قول كعب بن جعيل:
إلا حيّ ندماني عمير بن عامر
… إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (2)
فنصب " غدا "، ولم يعطفه على اليوم، كأنه قال: " إذا ما " تلاقينا اليوم أو غدا. وقال