قال: (فكان أن ليكون الكلام على وجه واحد، إذا كان لا يمتنع الآخر من أن يكون مبنيا على ما بني عليه الأول أولى،
وأقرب في المأخذ).
يعني: أن حمل الثاني على الأول أجود، حتى يكون الكلام على نظم واحد في حمل الجملتين على الفعل.
ومثل ذلك قوله تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1).
وتقديره: ويعذب الظالمين؛ لأن الجملة التي قبلها مصدرة بفعل وهو " يدخل ".
وقوله جل اسمه: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ (2).
لأن قبله فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً وتقديره: وذكرنا كلا ضربنا له الأمثال.
وقوله: وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (3).
لأن قبله فَرِيقاً هَدى وهذا في القرآن كثير، قال ومثل ذلك: " كنت أخاك "، و " زيدا كنت له أخا "؛ لأن " كنت أخاك "، وزيدا كنت له أخا بمنزلة " ضربت أخاك، وتقول: " لست أخاك "، " وزيدا أعنتك عليه "، لأنها فعل، وتصرف في معناها تصرف كان.
إذا قلت: " كنت أخاك "، فجملة الكلام مصدرة بفعل وهو " كنت "، فلذلك اختير أن ينصب الاسم في الجملة الثانية بإضمار فعل، كأنك قلت: " كنت أخاك "، و " لابست زيدا كنت له أخا "، و " لست أخاك " بهذه المنزلة، من قبل أن ليس هو فعل، وإن لم يكن له تصرف غيره من الأفعال في المستقبل واسم الفاعل. والدليل أنه فعل أيضا اتصال الضمائر التي لا تتصل إلا بالأفعال نحو " لست، ولسنا "، فإذا قلت: " لست أخاك " و " زيدا أعنتك عليه "، فكأنك قلت: " لست أخاك "، و " أخاصم زيدا أعنتك عليه " وما أشبه ذلك من الأفعال.
قال الربيع بن ضبع الفزاري: