لفظه على لفظ غيره فلم يعدّه إلى ضميره، وأتى بلفظ النفس فصار بمنزلة قولك:
" ضربت غلامي ".
وكان أبو العباس المبرد يقول: " إنما لم يجز ذلك؛ لأن الفاعل بالكلية لا يكون مفعولا بالكلية ".
قال أبو سعيد: وهذا قول يضمحل، ويبطل؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه يجوز أن تقول: " ما ضربني إلا أنا "، وضمير الفاعل هو ضمير المفعول، فلو كان الأول غير جائز؛ لأن الفاعل لا يكون مفعولا، لما جاز هذا؛ لأن الفاعل هو المفعول، وإن كان الضمير منفصلا.
وكان الزّجّاج يقول: إنهم استغنوا بالنفس عن الضمير، كما استغنوا بكليهما عن " أجمعين "، ألا ترى أنك تقول: " قام الزيدون أجمعون "، و " قام الزيدون كلهم "، وتقول:
" قام الزيدان كلاهما "، ولا تقول: " قام الزيدان أجمعان " فكذلك استغنوا ب " ضربت نفسي " عن قولهم " ضربتني "،
والقول الذي بدأنا به أحسن.
ويجوز تعدي ضمير الفاعل إلى ضميره في الأفعال الملغاة وهي: " ظننت " و " حسبت "، و " خلت "، و " علمت "، و " رأيت " من رؤية القلب، و " وجدت " من وجود القلب، و " زعمت "، تقول: " رأيتني وادّا لك "، و " وجدتك غنيا فطغيت ". وإنما يتعدى ضمير الفاعل في هذه الأفعال إلى ضميره الذي هو المفعول الأول دون المفعول الثاني؛ لأنك إذا قلت: " ظننتك منطلقا "، " فالتاء ": الفاعل، و " الكاف ": المفعول الأول، و " منطلقا ": المفعول الثاني، وجاز ذلك في هذه الأفعال واختير من قبل أن تأثير هذه الأفعال في المفعول الثاني، لا في المفعول الأول، والدليل على ذلك أنك إذا قلت: " ظننت زيدا منطلقا "، فالشك لم يقع في " زيد "، الذي هو المفعول الأول، وإنما الشك في انطلاقه، فصار المفعول الأول كاللغو في التحصيل.
وقد حكى الفراء: أن العرب تقول: " عدمتني "، و " فقدتني "، فأجروهما مجرى الأفعال الملغاة، وإنما جاز ذلك؛ لأن فقدان الرجل نفسه وعدمه نفسه ليس مما يصح، ولا يتأتى؛ لأنه محال أن يعدمه في التحصيل، ألا ترى أنك إذا عدمت شيئا فمعناه أنك تعلمه غير موجود، ومحال أن تعلم أنك غير موجود؛ لأنه إذا صح منك العلم فأنت موجود، فهذان الفعلان مستعاران، والمعنى: عدمت غيري وفقدت غيري وإن كان الفعل