والمعنى: الليلة حدوث الهلال، فناب عن المصدر؛ لعلم المخاطب أنه يراد به حدوثه؛ لأنه مما يتحدد في الأوقات المعلومة. وقوله: " محمر " يريد: فرسا في أخلاق الحمير.
و" مارضا " يريد: وما رضي، فقلب الياء ألفا، وهو لغة؛ لأن الألف أخف من الياء إلا فيما يلتبس، لا يقولون في " قاضي " " قاضا "، كما قالوا في " صحاري " " صحارا " لأنك إذا قلت:
" قاضا " التبس بفاعل من القضاء، وهو قاضي، يقاضي، مقاضاة.
(وقال جرير فيما ليست فيه الهاء:
أبحت حمى تهامة بعد نجد
… وما شيء حميت بمستباح) (1)
فجعل: " حميت " نعتا ل " شيء " و " شيء " اسم " ما "؛ فلذلك أدخل الباء في " مستباح "، ولو نصبت شيئا ب " حميت " لبطل الكلام، ولم يكن ليجوز دخول الباء في " مستباح "؛ لأن الباء إنما تدخل في الأخبار، فإذا نصبت " شيء " صار تقديره: وما حميت شيئا بمستباح. و " مستباح " نعت " لشيء " فهذا غير جائز كما لا يجوز " ما رأيت رجلا بقائم "، ولو حذفت الباء أيضا مع نصب " شيء " لكان ضعيفا ناقص المعنى، وذلك أنك إذا قلت: " وما حميت شيئا مستباحا "، فقد أوجب أن الذي حماه لم يكن مستباحا إذ حمى ما لم يكن مستباحا فحمايته كلا حماية، لأنه حمى
شيئا محميا.
(وقال آخر:
فما أدري أغيّرهم تناء
… وطول العهد أم مال أصابوا) (2)
فجعل: " أصابوا " نعتا للمال، ولم ينصب " المال " به، ولا يجوز ذلك لأنه لو نصب صار التقدير: أم أصابوا مالا. وأم من حروف العطف، ولا يعطف " أصابوا "، وهو فعل على " تناء " وهو اسم.
قال سيبويه: (ومما لا يكون فيه إلا الرفع قوله: " أعبد الله أنت الضاربه "، لأنك إنما تريد معنى: أنت الذي ضربه، وهذا لا يجري مجرى " يفعل "، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: " ما زيدا أنا الضارب " ولا " زيدا أنت الضارب " وإنما تقول: " الضارب زيدا "