والوجه الثالث: أن يكون في معنى النقل، فتقول: جعلت الطين خزفا أي صيرته خزفا، ونقلته عن حال إلى حال وقال الله عز وجل: اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً (1) أي صيّره آمنا وانقله عن هذه الحال.
فأما الثلاثة الأوجه التي ذكرها سيبويه فوجهان فيها يرجعان إلى الوجه الأول مما ذكرناه، وهو أن تجعل " جعلت " متعدّيا إلى واحد، غير أن معنى الوجهين اللذين ذكرهما سيبويه مختلف، وإن كانا يجتمعان في التعدي إلى واحد، فأحد الوجهين هو الأول الذي قال فيه: " إن شئت جعلت فوق في موضع الحال " فيكون معناه عملت متاعك عاليا، كأنك أصلحت بعضه وهو عال، فيكون فوق في موضع الحال كما تقول: عملت الباب مرتفعا أي أصلحته، وهو في هذه الحال.
والوجه الثاني من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكره سيبويه في قوله: " وإن شئت نصبته، على أنك إذا قلت: " جعلت متاعك " يدخله معنى: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض، لأن " ألقيت " كقولك: أسقطت متاعك بعضه فوق بعض ".
فيكون هذا متعديا إلى مفعول.
وهو منقول من سقط متاعك بعضه فوق بعض.
فهو يوافق الوجه الأول في التّعدي إلى مفعول واحد، ويخالف في غير ذلك، لأنك لم تعمل المتاع هاهنا؛ لإصلاح شيء منه وتأثير فيه، كما تعمل الباب بنجره ونحته وقطعه، و " فوق " في هذا كالمفعول، لا في موضع الحال؛ لأنه في جملة الفعل الذي هو " ألقيت "؛ لأنه منقول من " سقط متاعك بعضه فوق بعض "، والسقوط وقع على فوق، وعمل فيه على طريق الظرف، وفي المسألة الأولى لم يعمل فيه " جعلت "، إنما عمل فيه الاستقرار وصار في موضع
الحال، فهذان الوجهان كوجه واحد. وقوله: " وإن شئت نصبت على ما نصبت عليه " رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه فلان ".
فتعديه إلى مفعولين من جهة النقل والعمل، كما تقول: " صيّرت الطين خزفا "، وإنما حملنا هذا الوجه على هذا؛ لأنه في ذكر " جعلت " الذي في معنى " عملت وأثّرت ".
قال: والوجه الثالث أن تجعله مثل: " ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض ".