قال: (فهذا عربي حسن والأول أكثر وأعرب).
يعني الإنشاد في هذه الأبيات على البدل، ولو رفع على الابتداء لكان أكثر وأعرب فتقول: هلكه هلك واحد، و " ما ألفيتني حلمي مضاع "، يكون " حلمي مضاع " في موضع الحال، و " تؤخذ كرها أو تجيء طائعا "، على معنى أنت تؤخذ كرها، فتكون " أنت تؤخذ كرها " في موضع الحال من المبايعة.
قال: (وتقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض، فله ثلاثة أوجه في النصب: إن شئت جعلت " فوق " في موضع الحال، كأنه قال: عملت متاعك وهو بعضه على بعض، أي في هذه الحال، كما فعلت ذلك في رأيت، وإن شئت نصبت كما نصبت عليه " رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه فلان ".
وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت: جعلت متاعك يدخله معنى " ألقيت "، فيصير كأنك قلت: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض، لأن " ألقيت " كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض، وهو مفعول من قولك: سقط متاعك بعضه على بعض).
قال أبو سعيد: اعلم أن " جعلت " تكون بمعنيين، بمعنى صنعت وعملت، ومعنى صيّرت، فإذا كانت بمعنى صنعت فهي تتعدى إلى مفعول واحد، قال الله عز وجل:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (1) بمعنى صنع وخلق، وقال: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها (2).
وإذا كانت بمعنى " صيرت " تعدت إلى مفعولين، لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهي في هذا الوجه تنقسم على ثلاثة أقسام، كما تنقسم " صيرت ". أحدها بمعنى " سمّيت " كقوله: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (3) أي صيروهم إناثا بالقول والتسمية، كما تقول: " جعل زيد عمرا فاسقا " أي صيره بالقول كذلك.
والوجه الثاني: أن تكون على معنى الظن والتخيل كقولك: " اجعل الأمير عاميا وكلمه " أي صيّره في نفسك كذلك.