يجوز في هذا البيت ما جاز فيما قبله من الإضافة إلى الظرف ونصب ما بعده، فلا يجوز " لله درّ اليوم من لامها "، كما جاز " وكرار خلف المحجرين جواده " وذلك أن " كرار " يجري على الفعل وتنصب، فإذا أضفناه إلى الظرف نصبنا الذي بعده به، وصارت الإضافة بمنزلة التنوين فيه، ولا يجوز التنوين في " درّ " لأنك لا تقول: " لله درّ زيدا "، كما تقول:
" وكرار جواده "، فوجب إضافة " درّ " إلى " من " اضطرارا، وإذا وجبت إضافته إليه، وجب نصب " اليوم "، وقال أبو حيّة النّميري:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما
… يهوديّ يقارب أو يزيل
وهذا كالبيت الذي قبله، ولا يجوز " بكف يوم يهوديّا "، والجر في هذا البيت والذي قبله اضطرارا؛ لأنه لا يجوز فيه غير الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
قال: " ومما جاء مفصولا بينه وبين المجرور قول الأعشى:
ولا نقاتل بالعص
… يّ ولا نرامى بالحجاره
إلا علالة أو بدا
… هة قارح نهد الجزاره (1)
فأضفت " علالة " إلى " قارح " وأسقطت التنوين من أجل الإضافة، وفصلت بينها وبين " قارح " " بالبداهة "، فهذا قول " سيبويه "، وهو أجود من الذي مضى، من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وذلك أن هذين شيئان أضيفا إلى شيء واحد، وأقحم أحدهما على الآخر، وهما في معنى واحد، يتناولان المضاف إليه تناولا واحدا، ومثله يجوز في الكلام كقولك: " مررت بخير وأفضل من ثمّ ".
وكان بعض أصحابنا يتأول في هذا غير هذا التأول، فيقول: أسقط المضاف إليه من الأول اكتفاء بالثاني، فكأنه قال: إلا علالة قارح أو بداهة قارح، فحذف الأول اكتفاء بالثاني.
والذي قاله سيبويه أليق، لأن الأشبه أن تحذف الثاني اكتفاء بالأول، لأن الأول إذا ورد فحكمه أن يوفّى حقّه من
اللفظ.
ثم أنشد أبياتا على منهاج الأول منها قول ذي الرّمّة:
كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا
… أواخر الميس أصوات الفراريج (2)