فاه الحجر كما قال: أدخلت في رأسي القلنسوة ".
يعني أنه كان الوجه وحقيقة الكلام أن يقال: " أدخل فاه الحجر "، وذلك أن الحجر والفم مفعولان، أحدهما فاعل بالآخر، والحجر هو الفاعل، لأنه الداخل الفم، فإذا رددناه إلى ما لم يسمّ فاعله أقيم الذي كان فاعلا في المعنى مقام الفاعل، وهو الحجر، كما قال:
" أعطي زيد درهما "، فإذا قلت: " أدخل فوه الحجر " فقد أقمت الفم مقام الفاعل، وهو مفعول في المعنى.
قال: " فجرى هذا على سعة الكلام "، إذ كان لا يشكل كما قيل: أدخلت في رأسي القلنسوة. والرأس هو الداخل فيها لأنها محيطة به.
قال: " وليس مثل اليوم والليلة؛ لأنهما ظرفان، فهو مخالف له في هذا، موافق له في السعة ".
يعني أن اليوم والليلة لا يقامان مقام الفاعل؛ إذ كان معهما مفعول صحيح كما تقام القلنسوة والفم، ولا يقال: " ضرب زيدا اليوم "، ولا " سيرت الليلة زيدا " كما يقال:
" أدخلت القلنسوة رأس زيد " فهذا باب اختلافهما.
وأما اتفاقهما في سعة الكلام، فلأن الظرف قد يقام مقام الفاعل، وقد يضاف اسم الفاعل إليه، ويؤتى بالمفعول من بعده كقوله:
طباخ ساعات الكرى زاد الكسل (1)
فجعل " الساعات " مفعولة على السعة، فصارت هي والزاد مفعولين، ثم قدمها على الزاد، وجعلها كالمفعول الأول كما قدم القلنسوة على الرأس فجعلها كالمفعول الأول.
قال الشاعر:-
ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه
… وسائره باد إلى الشمس أجمع (2)
وكان الوجه أن يقول: مدخل رأسه الظّلّ؛ وذلك لأن الرأس هو المفعول الأول.
قال: " فوجه الكلام فيه هذا؛ كراهية الانفصال ".