يريد أن القائل قد يقول: " فلان يصالح فلانا غدا " أو " يخاصمه غدا، أو يزوره غدا "، أو غير ذلك من الأفعال فيقول: " إذا كان غدا فأتني "، أي إذا كان ما ذكرت في غد فأتني، فهذا على غير الوجه الأول؛ لأن الوجه الأول إنما يقوله القائل من غير أن يجرى ذكر شيء اعتمادا على الحال التي هم فيها، واكتفاء بها، وهذا على إضمار شيء يجري ذكره.
قال: " فإن قلت: إذا كان الليل فأتني " لم يجز ذلك؛ لأن الليل لا يكون ظرفا إلا أن تعني الليل كلّه ". يعني أن الليل اسم لليالي التي تكون أبدا، فلا يجوز أن تعلق الوقت بها؛ لأنها غير متقضية ولا موجودة في وقت واحد، وسبيلها سبيل الدهر، وأنت لا تقول:
" إذا كان الدهر فأتني "
قال: " فإن وجّهته على إضمار شيء قد ذكر على ذلك الحد جاز، وكذلك:
أخوات الليل ".
يعني إن وجّهته على كلام يعلم السامع أنه يريد ليل ليلته جاز، وذلك نحو: أن تكون مع رجل في شيء، فقال: " إذا كان الليل فأتنا "، فعلمت أنت بالحال التي أنتما فيها أنه يعني ليل ليلته التي تجيء، فيجوز فيه النصب والرفع.
قال: (ومما لا يحسن فيه إلا النصب قوله: سير عليه سحر، لا يكون فيه إلا أن يكون ظرفا؛ لأنهم إنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر، بالألف واللام، يقولون:
هذا السحر، وبأعلى السحر، وإنّ السحر خير لك من أول الليل).
قال أبو سعيد: اعلم أن: " سحر " إذا أردت به سحر يومك فإنه معرفة بغير ألف ولام، غير منصرف ولا متصرف، فأما قولنا: غير منصرف، فالذي منعه من الصرف أنه معدول عن الألف واللام، كأن الألف واللام تراد فيه، وغيّر
عن لفظ ما فيه الألف واللام، مع الإرادة، كما عدل " جمع " في قولك: " جاءت النسوة جمع " وهو معرفة، فاجتمع فيه التعريف والعدل، فلم ينصرف.
وأما قولنا: إنه لا يتصرف، فمعناه أنه لا يدخله الرفع والجر، وربما دخله الجر، ولا يكون إلا منصوبا على الظرف، وكذا: كل ظرف غير متصرف، فمعناه أنه لا يدخله الرفع والجر، وربما دخله الجر " بمن " فقط من بين حروف الجر.
والذي منع " سحر " من التصرف أنه عرّف من غير وجه التعريف!!؛ لأن وجوه