الصرف، إنما يكون لاجتماع علتين فصاعدا في الاسم من العلل التي تمنع الصرف، والدليل على ذلك أن صحراء ونحوها لا تنصرف وهي نكرة، وإذا سمينا بها مؤنثا لم يزدها التعريف ثقلا يخرجها إلى البناء وكذلك مساجد لو سمي بها رجل لم يصرف من أجل هذا البناء وهو مذكر معرفة ولو سمي بها امرأة لم تنصرف وكان حالها في تسمية الرجل والمرأة بها سواء وإن كانت في تسمية المرأة بها علّة زائدة. فهذا يبين لك ما ذكرناه من صحة قول سيبويه وفساد قول غيره، وقال النابغة:
إنّا اقتسمنا خطتينا بيننا
… فحملت برّة واحتملت فجار (1)
يريد الفجرة:
قال أبو سعيد: ويجوز عندي أن يكون أراد فاجرة معرفة فعدل فجار عن فاجرة معرفة مثل قطام وجعلها علما للخطة. والدليل على ذلك قوله فحملت برّة فجعل الخطة برّة ولقّبها بهذا وجعلها معرفة فلم يصرفها ونقيض برة
فاجرة لا الفجرة وكأن الخطط خطتان: إحداهما يقال لها برة والأخرى فجار اسم لها معدول عن فاجرة، فتبيّن ذلك إن شاء الله، وقال آخر:
وذكرت من لبن المحلّق شربة
… والخيل تعدو بالصعيد بداد (2)
يعني بددا في معنى متبددة. وحقيقة هذا أنّ بداد في موضع مصدر مؤنث معرفة وإن كان لا يتكلم به كأنه في التقدير البدّة لا يتكلم بالبدة ولكن هذا حقيقتها.
فإن قال قائل: وكيف يجوز هذا التقدير، وبداد في موضع الحال، والحال لا تكون إلّا نكرة، قيل له قد يجوز أن تجيء الحال إذا كان المصدر معرفة بالألف واللام أو بالإضافة، كما تقول فعلته جهدي وطاقتي، وكما قال لبيد:
فأرسلها العراك ولم يذدها
… ولم يشفق على نغص الدّخال (3)
ويروى على نغص الدّخال.
والقسم الثالث الصفة الغالبة، وذلك نحو قوله للمنية حلاق وللمنية أيضا جباذ،