لقاءك وحريص الإحسان إليك، وإنما لم يجز في المصدر المحض ما جاز في " أن " لأن " أن "؛ وما بعدها من الفعل وما يتعلق بالفعل من فاعل أو مفعول بمعنى المصدر وطال فجوزوا حذف حرف الجر منها لطول الكلام.
ومن ذلك قولهم: رأسه والحائط، كأنه قال: خلّ رأسه مع الحائط، وقولهم:
شأنك والحجّ، كأنه قال: شأنك مع الحج، ومن ذلك امرأ ونفسه، كأنك قلت: دع امرءا مع نفسه، فصارت الواو في معنى مع كما صارت في معنى مع: في قوله ما صنعت وأخاك).
لأنه إذا حذف " مع " وهي منصوبة قام ما بعد الواو مقامها في النصب.
وقد ذكرنا نحو هذا في غير هذا الموضع.
قال سيبويه: (وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعنى وهو عربيّ جيد).
يريد إن شئت لا تقدر " مع " وجعلت كل واحد منهما منصوبا بالفعل، وعطفت أحدهما على الآخر أدّى معنى " مع " وإن لم يكن مقدرا بلفظه، كأنه قال: عليك رأسك وعليك الحائط، وكأنه قال: دع امرأ ودع نفسه، وليس ينقض هذا ما أردت في معنى " مع " من الحديث، ومثل ذلك " أهلك والليل " كأنه قال بادر أهلك قبل الليل ". وتحقيق المعنى في ذلك أنه عطف الليل على الأهل وجعلهما مبادرين، ومعنى المبادرة: مسابقتك الشيء إلى الشيء كقولك: بادرت زيدا المنزل، كأني سابقته إليه، فكأن الليل والرجل المخاطب يتسابقان إلى أهل الرجل، فأمره الآمر أن يسابق الليل إليهم ليكون عندهم قبل الليل.
وقال: (قال بعض العرب: " ماز رأسك والسيف " كما تقول: رأسك والحائط وهو يحذّره كأنه قال: اتق رأسك والحائط).
وقولهم: " ماز رأسك والسيف " كثير من النحويين يقولون: إنه أراد ترخيم مازن فلم يكن اسم الرجل الذي خوطب بهذا مازنا، ولكنه كان من بني مازن بن العنبر بن عمرو بن تميم وكان اسمه كدلما أسر بجيرا القشيريّ، فجاءه
قعنب اليربوعيّ ليقتله، فمنع المازني منه، فقال للمازنيّ: ماز رأسك والسيف، وترخيمه على أحد وجهين: إمّا أن يكون سمّاه بمازن؛ إذ كان من مازن، وقد تفعل العرب مثل هذا في بعض المواضع، كقولهم: " الأشعرون " يريدون الأشعريون، جعلوا كل واحد منهما مسمّى بالأشعر الذي هو اسم جد، ثم ترخّمه على ذلك.