وزيدا، تجاوز النصب الذي كان يقدّر في الباء إلى ما بعد الواو.
وكان الزجّاج يقول:
إنّا إذا قلنا: ما صنعت وأباك؛
أنّا ننصب بإضمار، كأنه قال: ما صنعت ولا بست أباك.
وزعم أنّ ذلك من أجل أنه لا يعمل الفعل في المفعول وبينهما الواو.
وهذا قول فاسد، لأنّ الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتصل به المفعول، فإن كان لا يحتاج في عمله فيه إلى وسيط فلا معنى لدخول حرف بينهما، وإن كان يحتاج إلى وسيط في عمله فيه، عمل مع توسّط الوسيط ووجوده، ألا ترى أنّا نقول:
ضربت زيدا وعمرا، فتنصب عمرا بضربت، كما تنصب زيدا بضربت، لأن المعنى الذي يوجب الشركة بين عمرو وزيد في ضربت، هو: الواو فجئت بها ولم تمنع من وقوع ضربت على ما بعدها.
ومنه أيضا: أنك تقول: ما ضربت إلّا زيدا، فتنصب زيدا بضربت، وإن كان بينهما " إلّا " للمعنى الذي يوجب ذلك في اتصال هذا المفعول به، وإنما يذهب بالواو إلى معنى " مع " إذا كان فيه معنى غير العطف المحض، والعطف المحض أن يوجب لكل واحد من الاسمين الفعل الذي ذكر له من غير أن يتعلق فعل أحدهما بالآخر، كقولك: قام زيد وعمرو إذا أردت أن كل واحد منهما قام قياما لا يتعلق بالآخر.
وكذلك: ما صنع زيد وعمرو إذا أردت هذا المعنى؛ كان صنع كلّ واحد لا يتعلق بالآخر، وما صنع زيد وعمرو إذا أردت هذا المعنى، فإن أردت ما صنع زيد مع عمرو على معنى: إلى أي شيء انتهيا فيما بينهما من خصومة أو مواصلة أو غير ذلك، جاز أن تنصب، وقد اجتمع في قولك: " ما صنعت وأباك " قبح الرفع في الأب لأنك تعطفه على التاء من غير توكيد، وحمل ما بعد الواو على معنى " مع " لما يقتضيه المعنى إذا أكدت التاء كنت مخيرا في رفع الأب وفي نصبه، فقلت: ما صنعت أنت وأبوك، وإن شئت " وأباك ".
فمن رفع فلزوال قبح اللفظ لأن كلّ واحد منهما صانع بالآخر شيئا وملابس له على ضرب من الملابسة، وإن نصبت فعلى إبانة معنى " مع " وأنّ صنيع الأول ملتبس بالآخر.