غيرها: تربت وجندلت على ما لم يسمّ فاعله.
قال سيبويه: " (ولو مثّلت ما نصبت عليه الأعيار).
يعني في البيت الذي مضى: أفي السّلم أعيارا، وأعور في قوله يعني: أعور وذا ناب لتدلّ على النصب في البدل (لقلت: أتعيّرون وأتعوّرون إذا أوضحت معناها لأنك إنما تجريه مجرى ماله فعل من لفظه، وقد يجرى مجرى الفعل ويعمل عمله).
قال أبو سعيد: يعني أنّهم لمّا جعلوا في السّلم أعيارا، وأعور وذا ناب مجرى قولهم: أقائما وقد قعد النّاس، والأعيار والأعور ليس بمأخوذ من فعل يجري عليه، وقائما مأخوذ من فعل، وقد أضمر ناصبه على لفظ الفعل الذي أخذ منه، كان الأحسن في الأعيار والأعور أن يقدر فعل من لفظه، وإن كان لا يستعمل؛ إذ قد يجري مثله في الكلام على طريق التشبيه. ألا ترى أنّا نقول: قد ترجّلت المرأة، إذا تشبّهت بالرجال؛ فهذا التقدير أحسن في مثل هذا.
قال: (وأما قوله عز وجل بَلى قادِرِينَ (1). كأنه قال: بلى نجمعها قادرين).
وإنّما قدّرها سيبويه بنجمعها لقوله تعالى قبله أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (2). وتسوية بنانه أن يضمّ بعضها إلى بعض ولا تكون متفرقة، والبنان: الأصابع.
وذكر الفرّاء هذا المعنى، وقدّم قبله معنى آخر فيه وفي نظائره، وهو أن ينصبه بإضمار الفعل المذكور قبله وهو يحسب؛ كأنه قال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى فليحسبنا قادرين.
ومثله من الكلام: أتحسب أن لن أزورك، بلى سريعا إن شاء الله، كأنّه قال: بلى فاحسبني زائرك، وقال قوم من النحويين: إنّ " قادرين " ينتصب لوقوعه موقع نقدر لأنّ معناه بلى نقدر على أن نسوي بنانه، وهذا باطل، لأنّه ليس من نواصب الاسم وقوعه مواقع الفعل. ألا ترى أنّك تقول: أتقوم يا زيد، فإذا رددته إلى الاسم قلت: أقائم أنت يا زيد.