وكأن يونس قدّر أنه لو أضيف إلى اسم ظاهر لكان يقال: لبّى زيد كما تقول لدى زيد، وما حكاه سيبويه عن العرب أولى.
قال: وبعض العرب يقول: لبّ لبّ، وفي نسخة أبي بكر مبرمان تقول: لبّ مرّة واحدة فيجره يعني فيكسره، يجريه مجرى أمس وغاق يعني أنّه تثنية، ويجعله صوتا معرفة مثل غاق وما أشبه ذلك؛ كأنّه يحكي أصوات الملبّين.
وقد ذكرت أنّ سيبويه فصل بين الناصب لهذه الأشياء التي ذكرها مما لا يتمكّن ولا يستعمل فيها الفعل وليست بمصادر معروفة وبين سقيا ورعيا وما جرى مجراه ومثلت ذلك.
ومما يجري مجراه قوله: أفّة وتفّة، إذا سئلت عنهما مثّلتهما بقولك أنتنا لقرب معناها منه وليس من (أفّة وتفّة) فعل، وإنما تردّه إلى انتنا لأنه مصدر معروف.
وكذلك تمثيلك بهرا بنتنا، ودفرا بنتنا، لأنّه لا يستعمل من " دفرا " فعل، فجئت بمصدر فعل مستعمل وهو قولك: نتن نتنا، هذا قول سيبويه في بهرا ولم يزد على أن مثّله ب " نتنا ".
ويقال في الكلام: بهرني الشيء إذا غلبني، كما تقول: بهر القمر الكواكب أي:
غطّاها وأذهب ضوءها، وأنشدوا:
حتّى بهرت فما تخفى على أحد
… إلا على أحد لا يعرف القمر (1)
يقال: بهرا في معنى عجبا، وفسّر بيت عمر بن أبي ربيعة على ذلك، وهو:
ثم قالوا تحبّها قلت بهرا
… عدد القطر والحصى والتّراب (2)
ويقال: بهر فلان فلانا إذا دعا عليه بسوء، ولم أر أحدا فسّر ذلك المدعوّ به إلا سيبويه في قوله: نتنا، وقال ابن ميّادة:
تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي
… بجارية بهرا لها بعدها بهرا (3)
فإن قال قائل: ذكرتم أنّ: سبحان، وأفّة، وتفّة، ولبّيك، ليس لها أفعال مستعملة