وقال الآخر:
لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل
… على الجبال الصمّ لأرفضّ الجبل (1)
أراد: " حملوا " فحذف الواو، فصار حمل: ثم وقف عليه، وهو يضمه في الدرج بلا واو، ويقف عليه بالسكون، لأن كل متحرك يلحقه السكون في الوقف.
ولم يصلح أن يكون آخر الفعل الماضي مكسورا؛ لأن الكسر اختص الأسماء ولم يدخل في شيء من الأفعال، فبقي الفتح فبني عليه الماضي.
والوجه الثالث: أن الفعل الماضي قد يثنى ضمير فاعله بالألف، والألف توجب فتح ما قبلها، فلما كان أقرب الحركات التي يلحق الماضي الفتحة باجتلاب ألف التثنية لها، وقد وجب تحريك آخره حرك بأقرب الحركات إليه.
والوجه الرابع: أن الفعل الماضي يكون على فعل وفعل، فلو بنوا آخره على ضمة خرجوا في فعل من كسرة إلى ضمة وليس ذلك في كلامهم، ولو بنوه على كسرة خرجوا في فعل من ضمة إلى كسرة وهذا قليل مستثقل.
فإن قال قائل: فما المضارعة التي بها استحق الفعل الماضي الحركة والمزية على رتبة الساكن؟
قيل له وقوعه موقع الأسماء والأفعال المضارعة في النعت والخبر، كقولك: " مررت برجل قام "، و " زيد قام " وقع موقع قولك " مررت برجل قائم "، أو " وبرجل يقوم "، و " وزيد قائم "، " وزيد يقوم ". ووقوعه موقع الفعل المضارع في أبواب الجزاء كقولك: " إن قمت قمت "، وقع موقع قولك: " إن تقم أقم "، فهذا قول سيبويه في مضارعة الفعل الماضي. وقد أنكر أبو العباس المبرد على سيبويه الوجه الأخير من مضارعة الفعل الماضي للمضارع في أبواب الجزاء، فقال: إذا قلنا " إن قمت قمت " فإن هي التي قلبت المستقبل إلى الماضي في اللفظ والمعنى على الاستقبال كما تدخل لم على الأفعال المضارعة فتنفيها وتقلب ألفاظها إلى المستقبل، كقولك: " لم يقم " و " لم ينطلق عمرو " والمعنى " ما قام زيد " و " ما انطلق عمرو " غير أن لم هي المغيرة للفظ فكذلك إن عند أبي العباس، مغيرة لفظ المستقبل إلى الماضي في اللفظ والمعنى على حاله. وزعم أنه لا حجة لسيبويه فيما ذكره