وفي كلام سيبويه: ما ظاهره ملبس لأنه جعل ما قبل الظروف هو العامل، فيجيء على هذا إذا قلت: هو خلفك أن يكون الناصب لخلفك هو أم زيد إذا قلت: زيدا خلفك.
ومراد سيبويه على ما ينتظم من مذهبه أن الذي ظهر دلّ على المحذوف، فناب عنه إذ كان المحذوف لا يسمع ولا يظهر فجعل ما ناب منه عاملا لبيانه، وإنما مثله بقوله: أنت الرجل علما، وعشرون درهما لأن الرجل إنما ينصب علما إذ كان بتقدير كامل ونحوه مما هو بمعنى الفعل، وكذلك عشرون درهما يقدر نصبه على مذهب ضاربين زيدا ونحوه من التقدير، وكذلك زيد خلفك بمعنى استقر فكان اشتراكها في نصب ما بعدها لاشتراك جميعها في
تقدير ناصب لما بعدها من طريق المعنى والتشبيه.
قال سيبويه: (ومن ذلك: هو ناحية من الدار). وذكر الفصل.
قال أبو سعيد: إن المكان ينقسم قسمين، أحدهما: يكون ظرفا، والآخر لا يكون ظرفا.
ومعنى الظرف أن يكون الفعل لا يتعدى إلى المفعول به ويتعدى إليه بتقدير في فهذا لا يسوغ في كل مكان، ألا تراك تقول: قمت قدّامك وجلست مكانا عاليا، ولا تقول: قعدت السوق، ولا قمت السطح، حتى تقول: في السطح، وفي السوق من حيث يكون المكان ظرفا اطرد فيه حذف في.
فما يكون ظرفا من هذه الأماكن، فإن كان هذا الاسم يقع على مكان ولا يختص مكانا دون مكان، وما لا يكون ظرفا فإنه يختص مكانا دون مكان، فيما لا يختص خلف وقدّام ويسرة ويمنة، وميل وفرسخ.
وما كان من أسماء الأماكن مطلقا ومشتقا من فعل لا يخلو من مكان، فالمطلق هو المكان لأنه واقع على الأمكنة كلها، والمشتق هو المذهب والمتطرق والمجلس، وما كان منسوبا إلى وجهة معروفة نحو الشرقي والشمالي، والجنوبي، ويجري مجرى المكان في عموم الموضع لأنك تقول: قمت موضعا أو ذهبت موضعا، فلا يختص موضعا دون موضع، ويجري أيضا في باب العموم مصادر أفعال جعلت بمنزلة أسماء الأماكن المأخوذة من الفعل كقولك: هو قصدك، ومشيت قصدك فيجري مجرى المذهب والمنزل والمجلس، وكذلك حلّة الغور بمنزلة المذهب، ألا تراك تقول: قمت محل فلان، وحللت محل فلان، وغير هذا مما سيمرّ بك أو يمر بك نظيره.