وأما ما لا يكون ظرفا إلا أن يجيء منه شيء شاذ، فما كان من الأماكن مخصوصا لا يقع اسمه على مكان، وذلك نحو الدار والمسجد والسوق والسطح والحمام والبيت ونحو ذلك لو قلت: زيد البيت، أو أنت الحمام لم يجز، ولو قلت: أنت يمنة أو قدّام زيد، أو أنت مكانا طيبا كان جائزا مستمرا.
واعلم أن الظروف تنقسم قسمين:
أحدهما متمكن، والآخر غير متمكن.
فالتمكن هو الذي يستعمل ظرفا وغير ظرف.
ومعنى غير ظرف: أنه تدخل عليه العوامل الخافضة والرافعة كسائر الأسماء، وذلك نحو الموضع والمكان، وإذا استعملت المكان ظرفا قلت: زيد مكانا طيبا وزيد مكانك، وإذا استعملت غير ظرف قلت: هذا مكانك، وأقمت مكانك، ونظرت إلى مكانك.
وأما الظرف غير المتمكن فهو الذي لا يدخله الرفع ولا حروف الجر، إلا من في بعضها، وذلك نحو: عند وقبل
وبعد، فتقول: زيد عندك وزيد قبلك وعمر بعدك.
ولا يجوز أن تقول: طاب عندك، ولا قيم عندك، ولا قمت في عندك ولا قبلك، ولا سير بعدك.
والظروف المتمكنة بعضها أمكن من بعض لأن فيها ما لا يحسن أن تجعله متمكنا ويرفع إلا في ضرورة شعر أو مستنكرة من الكلام ونقل ذلك فيه قبل الرفع في خلف وقدّام ووراء وأمام وفوق وتحت، فإن هذه الجهات المحيطة بالأشياء كثر استعمالهم لها ظروفا وهي مبهمة، فربما استعملوها أسماء وترى ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما قول سيبويه بعد أن ذكر المبتدأ الذي بعده الظروف خبرا له:
(فهذا كله انتصب على ما هو فيه وفي غيره، وصار بمنزلة النون التي تعمل فيما بعدها نحو: العشرين، ونحو قولك: خير منك عملا، فصار هو خلفك وزيد خلفك بمنزلة ذلك، والعامل في خلف الذي هو موضع له، والذي هو في موضع خبره)، قال المفسر فإن بعض هذه العبارة إيهام لمذهب الكوفيين، وفي بعضها ما يوهم أن المبتدأ هو الذي ينصب الظرف، وحقيقة نصبه ما قدمناه من تقدير استقر ونحوه فأما إيهام مذهب الكوفيين فقوله إنا ننصب الظرف بالخلاف للأول، وقوله: على ما فيه.
فما للظرف وهو المبتدأ والهاء المتصلة ب (في) عائدة إلى ما وهي للظرف، وهو