والمعنى الذي قاله أبو زيد صحيح، وهو موجود في كلام العرب، ذكره النحويون وحكاه العلماء بالعربية وقد يقولون أيضا: " يا إياك "، فينصبون لما أضافوا على غير قول من يرى " إياك " مضافا وقد حكى قولهم: " يا إياك " سيبويه. وقد ذكر عن الأحوص في خبر له ذكره أبو عبيدة أنه وفد على معاوية مع أبيه فقام فخطب فوثب أبوه ليخطب فكفه، وقال: يا إياك قد كفيتك، وقال أبو عبيدة في قوله: " يا إياك " أنّ " يا " تنبيه و " إياك " منصوب بفعل مضمر والمعنى الأول أظهر وأجود، فإن كان هذا جائزا فقد صح بما حكينا أن الاسم الظاهر في النداء وقع موقع المكني فوجب بذلك أن يبنى.
وفي بنائه علة أخرى وهي أن نداءك المنادى إنما هو صوت تصوّت به لتنبه إليك وهو بمنزلة الأصوات التي تقع للزجر، كقولك للغراب: " غاق " وللبغل: عدس "، قال الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة
… نجوت وهذا تحملين طليق (1)
فشبّه لفظ المنادى بالأصوات التي يزجر بها؛ لأنّه لا يقع إلا العطف المنادى على المنادي كما تقع الأصوات لدعاء البهائم وزجرها.
فإن قال قائل: وكيف وجب أن يكون بناؤه على حركة؟ هلا بني على السكون؛ لأنّ الأشياء المبنية أصلها أن تبنى على السكون؟ فالجواب في ذلك مثل ما مر في بناء عل على الحركة.
فإن قيل: فلم وجب أن يبنى على الضمّ من بين الحركات؟
ففي ذلك علتان:
إحداهما: أن المنادى المفرد يشبه: " قبل "، و " بعد " من قبل أنه إذا أضيف أو نكر أعرب، وإذا أفرد بني كما أنّ " قبل " وبعد " تعربان مضافتين ومنكورتين، وتبنيان في غير ذلك، فكان هذا تشبيها لازما وصحيحا فلما بني قبل وبعد على الضمّ: جعل المنادى المفرد كذلك.
والعلة الثانية أنّ المنادى إذا كان مضافا إلى مناديه، كان الاختيار حذف ياء الإضافة