وأمّا قوله عزّ وجل: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (1) إلى قوله:
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ (2)، " فالموفون بعهدهم " يحتمل وجهين:
يحتمل أن يكون مدحا، ويكون التقدير: وهم الموفون بعهدهم فإذا كان كذلك، كان نصب الصابرين على وجهين:
أحدهما: العطف على ذوي القربى.
والآخر: أن يكون على المدح بإضمار (أذكر).
والوجه الآخر من رفع الموفون: أن يكون عطفا على من آمن بالله، فإذا ارتفع بذلك كان نصب الصابرين على المدح لا غير، ولا يجوز أن ينصب بالعطف على ذوي القربى، لأن ذوي القربى في صلة من آمن بالله، لأنّ (آتى) معطوف على آمن، ولا يجوز أن يعطف الموفون على (من) إلا بعد تمام صلته فيصير (والصابرين) منقطعا عن الصلة، وأنشد قول الخرنق في رفع المدح ونصبه، وهو:
لا يبعدن قومي الذين هم
… سمّ العداة وآفة الجزر
النّازلين بكل معترك
… والطيبون معاقد الأزر (3)
ومثله في الرفع والنصب قول أبي خياط العكلي:
وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم
… إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا
… والقائلون لمن دار نخلّيها (4)
(وزعم يونس: أن العرب من يقول: النازلون بكل معترك والطيبين، فهذا مثل:
والصابرين، ومن العرب من يقول: الطاعنون في القائلين، فنصبه كنصب الطيبين إلا أنّ هذا شتم لهم وذم، كما أن الطيبين مدح لهم وتعظيم، وإن شئت أجريت هذا كله على الاسم الأول، وإن شئت ابتدأته جميعا فكان مرفوعا على الابتداء.
كل هذا جائز في ذين البيتين وما أشبههما، كل ذلك واسع.